أعرف أنك سمعتها، وقرأتها، وحفظتها، تلك نسمة حميمة ولطيفة لا تخطئ القلوب المرهفة!
تقول .. هذه مقارنة بعيدة جدًّا!
لكنني أعرف إحساس الشاعر عندما يسمع صورة شعرية ذكية، فهو يفرح ويحزن، يروح ويجيء، فمثل هذا الجمال من الصعب أن يتجاوزه، لذا يحاول أن يضعه في قائمة أشعاره بشكل سري لا يعرفه أحد مع يقينه بأن الراسخين في الشعر يكشفون بصمات القصيدة، ويستخرجون الشعرة من عجين الكلمات.
لا تصدقني أليس كذلك؟
ستقول: المعنى مختلف، المفردتان متشابهتان، لكنَّ الصورة الشعرية شيء آخر.. ألا تدري أن موسيقى الرحابنة مأخوذة من مقطوعات شوبان.. بهذا الشكل الذي دسَّه الشاعر في أحاسيسه.
ألم أقل لك: إن الشاعر عندما يرتكب الشعر مع سبق الإصرار والترصُّد، يحاول أن يخفي آثار إحساس الآخرين في قصيدته بطريقة المحترفين، وهم يكسرون أقفال بنوك المشاعر!
الفرق أن "البدر"، رأى أن "البدر" يجب أن يوضع في مكانه الطبيعي، فحمله من يد الرجل ليضعه بين يدي الأنثى.
هكذا يفعل كبار الشعراء، يتعاملون مع كل قصيدة على أنها لوحة يراها من الزوايا كلها حتى يضع فيها لمسة إضافية، ويأخذ منها قطعة خميرة لمشروع شعري آخر.
وقد قال أبو تمام: "الشعر ابن الشعر". وأنا أصدقه تمامًا، فكلما قرأت عن قصيدة، تعاملت مع شاعرها على أنه والدها، وطفقت أبحث بين وجوه القصائد القديمة عن أمها!
الشاعر المبدع لا يسرق القصائد، بل إن القصائد هي التي تسرقه.
كأن جوزيف حرب خطف زياد الرحباني، فدسَّ كل إحساس القصيدة في قلب والدته، وهي التي خطفت قصيدة البدر!