|


-
المفكر العربي
-
2017-09-17

 

 

من أشهر المسميات التي ذاعت طويلاً في محيطنا العربي، مسمى "مفكر"، وهو اصطلاح حقيقي كان يطلق على المتنورين، من أمثال طه حسين ومحمود عباس العقاد وغيرهما، قبل أن يتم تفريغه من محتواه ويصبح حكرًا على المثقفين أصحاب النزعة القومية أو الإسلامية دون غيرهم، بدليل عدم وجود لمسمى مفكر اقتصادي أو تقني، أو حتى رياضي!.

 

"المفكر العربي" المعاصر، يمتلك مواصفات خاصة، وقدرات خارقة، من أبسطها معرفة بلدان الخليج أكثر من أهلها، وتشخيص مشاكلها أكثر من حكوماتها، بل طرح الحلول الغوغائية أحيانًا تحت تصنيف الفوضى الملهمة، أو التشظي الاجتماعي داخل بوتقة الأنظمة الرجعية، أو تقطير الحضارات في ذهن المتلقي!. وهذا "المفكر" يمتلك ثقة عجيبة بقدرته على تحريك الشارع العربي، اعتمادًا على تراكماته الثقافية وحصيلته اللغوية، وربما كانت ثقته في محلها خلال القرن الماضي، إلا أنه أصبح الآن خارج حسابات الزمان والمكان!.. حتى بات المفكر العربي يغيب طويلاً دون أن يفقده أحد، وربما يمارس طقوسًا مثل "التتنيح" في الجدران لأيام دون أن يرن هاتفه!، لكنه بمجرد سماع أصوات الغوغاء في الشارع، ينهي اعتكافه ويخرج من صومعته ليبدأ في التقطير!.

 

"المفكر العربي" في زماننا نذر دماغه الملكي للتفكير ولا شيء غير التفكير، حتى أصبح ينزعج من الحديث عن جديد التكنولوجيا، أو التحول الاقتصادي، أو فساد جوزيف بلاتر، أو وسائل التواصل الاجتماعي!، حتى بات هذا المفكر جاهلاً بمحيطه، وبلا نتاج مؤثر؛ لأن مدخلات دماغه القديمة لا تكفي لحل مسألة بسيطة!..

 

ولأن لكل ساقط لاقطًا، وجد "المفكر العربي" في قطر المأزومة والمحتقنة ضد محيطها، حاضنة يمكن أن تعيد أفكاره البالية إلى الواجهة، وتساعده على تفريغ ما بداخله من كراهية ضد بلدان الخليج وشعوبها؛ ولهذا حج "المفكر العربي" عزمي بشارة إلى الدوحة لمساعدة حكومتها في بعثرة أوراق الدول العربية وخاصة الخليجية، معتمدًا على قدراته الخارقة في معرفة الخليج أكثر من أهله!..

 

ولأن عزمي بشارة يعتمد المدرسة الكلاسيكية في تسويق نظرية المؤامرة، ولأنه "المفكر العربي" الذي لا يهتم إلا بالشأن السياسي الخالص، بات هذا العزمي يراهن موهومًا على تحريك الشارع السعودي ضد حكومته، معتمدًا على معلومات تعود إلى السبعينيات، ومن أهمها نسبة الأمية التي كانت تصل إلى 50 في المئة، ولو كلف نفسه بتعلم التقنية وتحديث معلوماته، لوجد أن السعودية من أصعب البلدان التي يمكن اختراقها بالتحريض؛ لأن نسبة الأمية تراجعت بين مواطنيها إلى 3 في المئة، ولا تقارن إطلاقاً بالبلدان التي استهدفتها قطر في موجة الربيع العربي!، إذ تقل نسبة الأمية في السعودية عن تونس وليبيا وسوريا ومصر واليمن بفارق كبير تظهره الإحصاءات بوضوح.

 

المجتمع السعودي "المتعلم" أصبح يتابع ويلم بكل ما حوله من متغيرات، سياسية، اقتصادية، اجتماعية، أدبية، فنية، رياضية، تقنية، بمعنى أن "المفكر العربي" المعزول عن محيطه، بات لا يمتلك القدرة حتى على إقناع المراهقين، فما بالك بالفئات العمرية الأعلى!، وحتى لا نظلم هذا "المفكر"، يجب ألا نضع اللوم عليه كاملاً؛ لأنه في نهاية الأمر بياع كلام، و"رزق الهبل على المجانين"، فهو وجد من استقدمه ليوليه على شبان قطر، ويضعه وصيًّا على الإعلام في بلادهم، حتى بات يحدد لهم ما يقال، وما لا يقال!، علمًا أن قطر أيضًا من أقل الدول العربية في نسبة الأمية، ويصعب على "المفكر العربي" أيضًا، التفاهم مع شبان قطر الذين يفوقونه قدرة على التفكير، باستثناء قدرته على التفكير بنسج المؤامرات!.