|


وحيد بغدادي
عودة (ريان) .. وضحالة الفكر المجتمعي
2017-01-12

ريان ابن الــ(15) ربيعاً.. مهما كبر سيظل طفلاً في عين ونظر والديه، حتى وإن كان في المرحلة الثانوية. 

 

بالأمس عشت أفظع ساعات حياتي، ولن أبالغ إذا قلت إنني لم يسبق أن عشت لحظات من الرعب والخوف كتلك التي عشتها.. كيف لا وابني فلذة كبدي (مختفي) والجميع لا يعلم أين ذهب، جرت العادة أن ترسل المدرسة الأهلية التي يذهب إليها مواعيد الخروج التي كانت تفيد أن مواعيد الانصراف هذا الأسبوع الساعة 12.30 ظهراً، ولكن صبيحة يوم أمس وأثناء ذهابي للعمل تفاجأت برسالة الساعة 10.13 تفيد بخروج الطلاب الساعة 10.30، وهذا يعني أن أولياء الأمور يتم إشعارهم قبل الانصراف بربع ساعة فقط!. 

 

وفي كل الأحوال يفترض أن يكون الطالب تحت مسؤولية المدرسة، وألا يغادر أسوارها إلا بحضور من هو مسؤول عن إيصاله أو بموافقة ولي أمره.. والمضحك المبكي هو منع الطلاب من إحضار جوالاتهم للتواصل مع ذويهم.

 

ريان الطالب بالصف الأول الثانوي، غادر أسوار المدرسة متجهاً لأقرب بقالة ليتناول ما يسد به جوعه أو يروي به عطشه، في ظل إغلاق المقصف المدرسي وعدم توفر أي مبيعات للطلاب.. فيما طلب منه أخوه الأكبر (إبراهيم) في الصف الثالث الثانوي أن ينتظره لحين انتهائه من الحصول على بعض الملخصات الخاصة بالامتحانات للأسبوع المقبل.

 

ذهب الصغير إلى حيث يشتري ما يريد، ثم انتظر أخاه حوالي نصف الساعة ولم يجد مع دقائق الانتظار إلا أن يجلس تحت ظل أحد المداخل جوار البقالة ويغلبه النعاس وينام.

 

وعند وصولي للمدرسة الساعة 10.55 بدأنا بالبحث عنه هنا وهناك ولم نجده.. والمضحك أن جميع أعضاء هيئة التدريس والهيئة الإدارية بالمدرسة لا يعلمون شيئاً عن الطالب.

 

وبالفعل بدأ الجميع بالاستنفار بحثاً (مدرسون وإداريون وطلاب بل وحتى بعض أولياء الأمور)، بعد أن تعالت صرخاتي.. كيف لا وأنا الأب المكلوم والمفجوع في فقد ابنه، ولم أجد مع مرور الوقت وقلة حيلتي وخوفي إلا أن أغرد عبر تويتر بصورة الغائب لعل أحدهم يساعدنا بالعثور عليه، أو لعل الدعوات تسهل أمرنا.

 

وبالفعل بعد حوالي ثلاث ساعات من البحث (وكأنها دهر بالنسبة لي) وجدناه (ولله الحمد) بعد أن انتظر أخاه جوار البقالة وغفت عيناه ونام (وهكذا هم الأبناء لا يعلمون قدر خوف آبائهم وحبهم لهم إلا بعد أن يكبروا وينجبوا ليعلموا معنى الأبوة أو الأمومة)..لم أتمالك نفسي عندما شاهدته، فبادرته بصفعة تلتها أحضان وبكاء ثم انهيار وسقطت على الأرض ساجداً وشاكراً وحامداً لله، ثم دخلت في نوبة بكاء هيستيرية بعد أن قذفتني الأوهام والظنون بين تعرضه للدهس لا سمح الله أو الخطف.

 

كانت لحظات عصيبة من البكاء والعناق (الحمد لله على كل حال) ولكن!! الغريب أن تغريدتي كشفت مدى ضحالة الفكر لدى البعض، فرغم تعاطف الأغلبية إلا أن البعض بات يطعن بأخلاق الطفل وسوء تربيته ويطالب بضربه، وآخرون يتهموني بالبحث عن ريتويت.. شكراً من الأعماق لمن تعاطفوا معي، وسحقاً لمن قست قلوبهم وباتوا لايملكون الرحمة والإنسانية.. هل فعلاً مجتمعنا يضم مثل هؤلاء الناس؟.

 

بالنهاية لا أعلم مسببات إجبار الطلاب بالحضور في هذا (الأسبوع الميت) قبل فترة الإمتحانات، طالما أن أبواب المدارس ستظل مشرعة للطلاب للخروج مبكراً.. ولماذا لايسمح للطلاب بإحضار جوالاتهم للتواصل مع ذويهم؟.

 

ولماذا يتم إشعار أولياء أمور الطلاب بتغيير مواعيد الانصراف قبل الموعد الجديد بربع ساعة فقط؟! رغم علمهم بالازدحام الشديد في الشوارع فيما لو أراد والد الطفل الذهاب لإحضاره. 

 

أسئلة كثيرة تطرح على طاولة وزير التعليم في ظل حوادث الدهس بسبب التفحيط أمام المدارس وحوادث الاختطاف وقصص الإرهاب التي نسمع عنها هنا وهناك. 

 

أليس أبناؤنا فلذات أكبادنا أمانة في أعناقكم؟ ولماذا لايتم تفعيل الأنشطة اللامنهجية والرياضة المدرسية لتنمية مواهب الطلاب بدلاً من تركهم في الشوارع عرضة لأصدقاء السوء أو المخاطر التي لايعلم عنها إلا الله؟ أما آن الأوان أن نستثمر في هذه الثروة الوطنية؟ سؤال لوزير التعليم ينتظر إجابة.