|


صالح الخليف
واحد فول في المطار
2018-06-07
هذه ظاهرة أعرفها وألمسها وأشهدها منذ سنوات، وليس عندي لها تفسير أو جواب أو تبيان.. هناك احتمالات لكن أيًّا منها لا يرتقي لمستوى اليقين الجازم الحاسم.. يٌظهر الناس أجمل وأحسن ما فيهم داخل المطارات..

بالطبع لا أعني ولا أقصد المطارات السعودية أو العربية فحسب، وإنما كل مطار يأخذ حيزًا من جغرافيا هذه الأرض التي سيرثها الله ومن عليها.. الهدوء يعم ردهات وزوايا المطار فلا تنزعج مسامعك بضجيج ضحكات متفلتة لا يعنيها العابرون والجالسون، ولا تعلو أصوات المتحدثين رغم اكتظاظ الكراسي والممرات بمئات المسافرين.. يلتزم الناس بأعلى درجات النظام واحترام الآخر؛ فلا تزدحم كاشيرات المقاهي والمطاعم بالفوضويين، وإنما يلتزم الجميع بتراتبية الأدوار.. يرتدي الأغلبية ملابس محتشمة وأنيقة وكأنهم ذاهبون إلى احتفالات الأعياد.. يرتفع منسوب الإيثار على الأنفس حتى يخيل لك أن الناس في أقصى درجات الروحانية والتضحية والتنازل.. يتحدثون معك بلباقة ولغة راقية لدرجة تظن فيها أنهم أمام الكاميرا في لقاء تلفزيوني يتابعه الملايين.. يتجولون برزانة وخطوات متثاقلة ومحسوبة على طريقة العسكر في استعراضات الشرف.. أقنعة مزيفة ومستعارة تغطي الوجوه في حفلة مكياج غارقة بالمجاملات.. الذي يجلس يتبادل الحديث معك على أحد طاولات المطار بنبرة هادئة ووجه ضحوك وكلمات ليست كالكلمات، ربما كان في نفس التوقيت قبل أربع وعشرين ساعة في تعارك خارج عن حدود الآداب العامة مع بائع الفول؛ فقط لأن قائمة طلباته تأخرت خمس دقائق.. هذا مجرد أنموذج وقد يكون الواقع أكثر ظلامًا وأضل سبيلاً.. ثم نعود لنقطة البداية ونفتش عن أسباب جعلت من أرض المطارات تشبه أرض الأمل في مسلسل الكارتون الشهير عدنان ولينا..

لدي كما قلت مجرد احتمالات لا ترتقي أبدًا لمستوى اليقين.. أولها أن المطار جهة رسمية وأمنية تستدعي الالتزام بأعلى درجات ضبط النفس.. ثانيًا كونه مكانًا مغلقًا والناس تلعب دورًا رقابيًّا على بعضها بعضًا؛ فليس لديها ما تمضي فيه وقت الانتظار أحيانًا سوى التحملق بأعينها في حركات وتصرفات وسكنات الآخرين.. ثم كون السفر محببًا وعملاً يدعو للبهجة والانشراح؛ فتكون الخواطر مرتاحة ومبسوطة.. كثيرون المسافرون لقضاء مهمة عملية أو علاج أو مشاركة في عزاء، لكن السفر ارتبط بالمتعة والبحث عن أجواء تكسر الروتين والملل برفقة من تهفو الأرواح لملازمته..

يهرب المسافرون في المطارات من ضغوط الحياة وأنكادها ومشاغلها التي لا تنتهي، وهذا وجه آخر يجعلهم أكثر إنسانية في هذا المكان..

وأنت يا صاحبي هل تعتبر قاعة المغادرة داخل المطار مكانًا لذيذًا وشهيًّا، أم أنها لا تفرق كثيرًا عن طبق الفول الذي قد يعكر مزاجك ويضيق صدرك وينكد عليك، فقط لأنه "تأخر خمس دقايق.."؟