|


أحمد الحامد⁩
ما قبل الصناعة
2018-06-07
مصطفى العقاد المخرج الكبير قدم لنا أفلامًا أسطورية، تعتبر من أجمل ما قدمه العرب لأنفسهم ولغيرهم، التقيته مرة واحدة واستمر هذا اللقاء لعدة ساعات، كنت مستمعًا إلا في بعض الحالات التي كنت أرى أن السؤال ضرورة لفتح منحى آخر للحديث حتى أطلع أكثر على آرائه.

هذا الرجل لم يكن يعتبر الفيلم عملاً فنيًّا، بل مشروع فني، شبكات فنية تتفرع لتلتقي في النتيجة، في فيلم عمر المختار عندما شعر أن هناك بطءًا في الموسيقى التصويرية، أعاد التسجيل مرة أخرى وكانت تكلفة إعادة التسجيل 50 ألف جنيه إسترليني، لم يكن الحفاظ على المال هو المهم، كان المهم أن ينجح كل ما صرفت عليه أموالك، لا مجال "للكروّتة" ولا للتغافل ولا لعدم الاحترام، ما هي نتائج عملك؟ كان العقاد يصنع أعماله لنفسه بصورة يفرض بها على الآخرين احترامه، كان يصنع تاريخه بيده، لأجل نفسه أولاً لا لأجل السوق ولا للبحث عن المال، المال يأتي لاحقاً، السؤال من يستطيع أن يعمل بنفس طريقة العقاد؟ العقاد لم يكن يعمل بالظروف المتاحة، بل كان يصنع الظروف والبيئة الصالحة له، حتى في الميزانيات المالية للأفلام، كان يطلب ما يحقق له المساعدة في النجاح، استمراره في تحقيق أفلام أسطورية مرتبط بطريقة فهمه للصناعة وما تتطلبه من وقت ومن تحضيرات تعتبر سباقة إلى غاية يومنا هذا ولا تشبهها كل التحضيرات التي عملت عند إنتاج كل الأفلام العربية منذ آخر فيلم أخرجه لنا وللعالم، العقاد كان صادقاً مع نفسه فصدق مع عمله، كلفت أفلامه الملايين من الدولارات وبقيت أفلامه بعد رحيله، بقيت مشاريعه مستمرة شواهد على أن العمل المتميز يصنع في كل وقت وفي كل زمان، الفرص تعطى لكن النجاح يؤخذ ويفرض كأمر واقع، اليوم بعد إتاحة السينما للجمهور وللمخرجين والممثلين للمملكة، هناك فرص كبيرة وعلى المهتمين أن يراجعوا سيرة الذين نجحوا ويدرسون شخصياتهم قبل أعمالهم، ويتعرفوا على التفاصيل حتى لا يكتشفوها بعد تنفيذ أعمالهم، عليهم ألا يتسرعوا لأن أعمالهم سترتبط بهم حتى بعد رحيلهم، الحماس مطلوب لكنه لا يصنع، الصنعة معرفة وتراكم خبرات، أتوقع بأنني سأشاهد أفلامًا رائعة بعد عشر سنوات وهي فترة قريبة جداً، وستنطلق بعدها مرحلة تقودها أسماء جديدة بعضها يحتضر وبعضها يولد الآن.