|


صالح الخليف
هوايات لا تشبهنا
2018-06-20
لا يغير الزمن وجوهنا وأشكالنا وأصواتنا وتفكيرنا فحسب.. يغير كل شيء فينا وحولنا.. أكثر ما يطاله التغيير هواياتنا.. يغتال الزمن وبدم بارد هواياتك.. يتوارى سؤال الهواية وراء الأفق حتى لا يستطيع أحد رؤيته بالعين المجردة.. ذاك زمن ولى بكل تلك التفاصيل التي صارت من إرث الماضي العتيق..

كانت مجلات اليقظة والنهضة والمجالس وزهرة الخليج ومطبوعات أخرى تفرد صفحات لقرائها ينشرون صورهم مذيلة بأسمائهم وأعمارهم وسؤال عن الهواية.. كانت أغلب الإجابات تدور حول فلك جمع الطوابع وكرة القدم وتبادل العملات والسفر.. هل ظلت ذات الهوايات حية ترزق في أفئدة جيل صحا على الدنيا وأمامه ثورة صاخبة من تقنيات ما كانت تصدق ولا في الخيال.. هل هناك ثلة من عباد الله يضعون الطوابع وجمعها على رأس قائمة هواياتهم في زمن الفيس بوك وتويتر وسناب شات وملحقاتهم..

هل هناك من يقول للناس الآن إن هوايته المفضلة تربية الطيور مثلاً.. هل يسألك أحد أساسًا عن هوايتك في هذا العالم المتلاطم بالأشياء الممكنة والمتاحة والمتسارعة..؟

كثيرون من رفاق الصبا بعثوا صورهم لتلك المجلات.. كانت إجاباتهم عن هواياتهم لا تخرج عن سياق مع الخيل يا شقراء.. أحدهم قال إن هوايته السفر رغم أنه تلك الأيام ما غادر رفحاء إلا باتجاه القرى المحيطة حولها.. سفر مثل ذاك لا يصلح تصنيفه هواية أو رغبة أو غاية.. كان شرًّا لا بد منه لا أكثر ولا أقل..

صديق آخر قال إنه يهوى جمع الطوابع فيما كانت الرسالة التعريفية التي بعثها للمجلة هي التي أجبرته لدخول مبنى بريد رفحاء لأول مرة..

أما ثالثهم فقال إن هوايته المراسلة وأول رسالة وصلته من أحد الدول العربية يقول فيها مرسلها إن هوايته تتمثل في الاحتفاظ بالعملات طالباً ورقة نقدية واحدة من كل فئات العملات السعودية.. وعلى الفور تاب صديقي هذا من هواية المراسلة وتجاهل الرد على طالب العملة وتاب الله عليه..!!

بعد هذا العمر أظن أن الإنسان يهوى ما لا يستطيع عمله.. كنت أتمنى تعلم السباحة وفشلت.. رفحاء لا تطل على المحيط الهادي وليس فيها بحيرات صناعية ولا تنعم بشلالات جبلية.. كانت الهواية الخطأ في المكان الخطأ.. كنت أتمنى أيضًا تعلم عزف العود.. لكن هذا كان أقرب للعيب الاجتماعي منه إلى تلك الحريات الشخصية التي نحبسها داخل أرواحنا.. التعاطي مع الموسيقى كان يمكن قبوله في إطار الاستماع والاستمتاع، أما الذهاب معها إلى منطقة أبعد فإنك تدخل رسميًّا في صراع عائلي أنت أضعف من تحمله أو الانتصار عليه.. ابحث لك عن هواية على مقاس احتمالك.. جمع الطوابع التي لا أصدق حتى الآن أن أحداً حولي كان يجمعها.. السفر ليس هواية.. ليته كان هواية.. المراسلة تعتمد على طاقية الإخفاء.. تبادل العملات مثل صالة سوق الأسهم.. صالة لم تفصل لنجلس في مقاعدها..

تغير الزمن.. واختفت الهوايات التي ما كانت لنا.. تطفلنا عليها وحاولنا بلا وعي وغفلة من الزمن الالتصاق بها.. حينما صحونا.. عرفنا كم كنا ساذجين.. سقى الله أيامًا لا تعود..!!