|


رياض المسلم
خيرها بناسها ومحامي «المقلّدين»
2023-04-18
أرأف بحال قاضٍ، يحكم في قضية شكوى صانع محتوى “تافه” ضد خصمه الممثل “الفاشل”، كونه قلَّده في أحد برامج شاشة رمضان، وكذلك يؤلمني حال المحامي الذي يدافع عن مهرّجي، أو مهرّجات وسائل التواصل الاجتماعي، كونه تم تقليّده بصورة غير جيده وكأن صورتهم الأساسية تشعّ ببريق الفائدة، لكن ذلك المحامي يذكرني بحسينوه ودفاعه عن موكلته الحسناء “شيخة الذبان” كما أطلق عليها في محكمة درب الزلق..
الكثير من الممثلين والممثلات لم يتقنوا تقليد هؤلاء المهرّجين، وبات الضحك عليهم، وليس على أدائهم، والمصيبة أن المشاهدين يدركون أن المقلَّدين والمقلِّدين ملأوا الشاشة “سخافة”، لكنَّ المشاهدات “ترند”، فالعقل البشري توَّاق لأسرع طرق الترفيه، ويضع العراقيل أمام المفيد.
تابعت برامج مثرية عدة، ظُلمت في المتابعة والإنصاف، ليس خللًا في فكرتها، أو إنتاجها، لكن بسبب توجُّه كثير من المشاهدين إلى برامج وأعمال “سطحية”، تقتات على السخافة والمحتوى المبتذل، ما يضعف ذائقتهم الفنية.
في هذا الموسم من شاشة رمضان، استوقفني كثيرًا برنامج “خيرها بناسها”، الذي تبثه القناة السعودية، ويسلِّط الضوء على قصص إنسانية لأبرز الشخصيات السعودية، التي عملت في القطاع الخيري والتطوعي، وكيف واجهوا المعاناة، وولَّدوا من رحمها مشروعات، يستفيد منها الملايين، كما فعل رجل الأعمال فهد الثنيان، الذي فقد ابنه عبد الرحمن بسبب مرض نادر، وتحدَّث في الحلقة مقلِّبًا الذكريات بحرقة، ولم يتمالك نفسه، فبكى حزنًا عليه، لكنَّ ذلك الحزن جعله يؤسِّس جمعيةً باسم ابنه، تخدم المرضى، واستبدل نهاية قصة الفقدان الحزينة بالنجاح. الأمر ذاته تكرَّر مع المواطن نايف الوسمي، الذي عانى مع ابنته من مشكلات سمعها، والتردُّد على الأطباء دون نتيجة، وتمَّ زراعة قوقعة لها، وعقب هذه الرحلة الصعبة، نبعت لديه فكرة إنشاء جمعية زارعي القوقعة “أسمعك”.
ما سبق قصتان فقط من أصل 30 قصةً ملهمةً، تحبس الأنفاس، لكنها تنتهي بإسعاد الناس وهناك جهدٌ كبيرٌ، بذله فريق الإعداد والإنتاج والإخراج والمتابعة، لذا العمل يأسرك صورةً ومحتوى. ولا أنسى برامج أخرى عن قصص النجاح، وما يمسُّ الجانب الإنساني، منها “أمنية”، و”جسور”، و”شجعان”، و”سين”. وكلها ناجحة حتى لو لم تحقق نسب مشاهدة عالية. في اعتقادي أن تسطيح أعمال الشاشة الرمضانية لن يتوقف “فالمخرج عاوز كده”، لكن علينا أن نرفع من ذائقتنا، ونحرص على متابعة ما يعزِّز ثقافتنا، وينمِّي إدراكنا، وألَّا ننساق خلف خدعة القرن الإلكترونية الكبرى، “الترند”، فليس هناك أسهل من “تافه”، يقلِّد “أتفه” منه، لكن من الصعب عليهما أن يقدِّما عملًا محترمًا، يليق بمكانة مَن تسمَّر خلف الشاشات.