|


الطائي.. أكرم الاتحاد باللون الرمادي

قراءة - فرج الشمري 2017.01.21 | 09:09 am

للطائي عند عشاقه ومحبيه وأنصاره الحائليين وعشيرته الأقربين مكانة تتجاوز كثيراً فلسفة تشجيع فريق يلعب كرة القدم.. صحيح أنه مجموعة من أحد عشر لاعبًا ينافسون وينازعون أشباههم على عشب أخضر وجلد منفوخ تركله الأرجل.. وصحيح أنه لا يملك ذاك التاريخ الكروي الباهر الذي يجعلك تستعيد ذكرياته كلما وجد الخيال إلى الوراء سبيلاً.. لكن كل هذا يمكن تجاوزه ووضعه بعيداً على الرف، حينما نبدأ تحليل المسألة وكأنها قضية ارتباط وجداني.. اشتق الطائي اسمه من حاتم الطائي الذي لا يحتاج إلى كثير من التعريف.. رجل سارت بحكاياته ونمط حياته الركبان، حتى بات مضرباً وشعاراً ورمزاً للكرم عند العرب منذ مئات السنين.. وحاتم هذا أحد أبناء حائل التي كانت تدعى قديماً بلاد الجبلين نسبة إلى الجبلين أجا وسلمى.. قدمت حائل للعرب حاتم الطائي.. وقدمت حائل للكرة السعودية الطائي الذي أكرم وفادة العميد مساء أمس وأزاحه عن كأس خادم الحرمين الشريفين بثنائية سلمان الشمري وحسن الحجي، قبل أن يظهر عبدالعزيز العرياني ويسجل للاتحاد حضوراً شرفياً بهدف لا يقدم ولا يؤخر.
يرتدي الطائيون شعارهم الرمادي.. وهذا اللون عديم الوضوح ورؤيته تبدو أحيانًا صعبة، وهو لون حائر بين الأبيض والأسود.
زعيم الكوميديا العربية عادل إمام قال في مسرحية "شاهد ما شافش حاجة": "ما ليش في الرمادي" في إشارة واضحة إلى وضوحه..
من عدم وضوح لون الطائي يمكن أيضًا قراءة المشهد.. قبل أسابيع نشر هنا في "الرياضية" تقرير عن حالة وأحوال الطائي، وكيف أنه اقترب من السقوط في أدغال الدرجة الثانية مترنحاً عند أعتاب المراكز المتأخرة في الدرجة الأولى.. قبل انطلاقة الموسم كان الحائليون يمنون أنفسهم لعل فارسهم الشمالي يستعيد عافيته ويعود أدراجه إلى أحضان الكبار.. لم يكن أكثر المتشائمين يتوقعون أن يصل الحال إلى ما وصل إليه.. الطائي في طريقه إلى الثانية.. الحقيقة الجارحة والمؤلمة.. هذا الذي يسير إلى الدرجة الثانية ماذا عساه يفعل عندما يستقبل الاتحاد القادم من المراكز الأولى للدوري السعودي.. بالتأكيد أنها تسعون دقيقة مليئة بالأهداف التي سيتناوب أصحاب القمصان المقلمة بالأسود والأصفر إيداعها شباك المستضيف الكريم.. هذا هو المنطق وكرة القدم تنحاز بين وقت وآخر إلى هذا المنطق..
الشيء الوحيد الذي يمكن أن تراهن عليه القلوب التي تتمنى فوز الطائي هو لقبه التاريخي (صائد الكبار)؛ فمن يدري لعل الصيادين يصادفون حظًّا وافراً ويعودون بغنيمة دسمة.. الصياد جاهز وخائف، والنمور تدور حول الحمى.. بدأت المباراة.. هاجم الاتحاد بضراوة دون جدوى.. الحصة الأولى اتضح فيها السيطرة والرغبة الاتحادية بالفوز.. الانتصار يحتاج إلى لغة تحتاج إلى ترجمة، والأماني وحدها لا تكفي..
بدأ الشوط الثاني وكلما مرت دقيقة والأمور على حالها، استشعر الجمهور الحاتمي بأن حلمًا يلوح في سماء حائل، يمكن أن يهبط إلى أرض الواقع.. الضغوط تتزايد على الاتحاديين كلما مرت الدقائق.. يشعرون بأن التعادل والوصول للأوقات الإضافية ثم ضربات الترجيح قد تحمل مفاجآت غير سارة..
يطلق الحكم عبدالله العويدان صافرته، ويتسلل إلى قلوب جماهير الطائي نصف الفرح.. انتهت تسعون دقيقة واستنفد مدرب الطائي التونسي مكرم عبدالله كل تغييراته.. تبقى نصف ساعة سيكون حافلاً بالضغط والارتباك والأحلام المؤجلة..
بذل اللاعبون جهداً مضاعفاً.. قدموا أكثر مما كان متوقعاً.. أجبروا فريقاً مثل الاتحاد على اللجوء إلى الأوقات الإضافية، وربما تكون الصدمة أكبر إذا نجحوا وسحبوا المباراة إلى الترجيح.. هنا سيكونون قد فعلوا المفاجأة..
انطلق الإضافي الأول لولا أن المفاجأة الحقيقية لم تتأخر كثيراً.. بعد مرور دقيقتين فقط يستقبل سلمان المطلق كرة أرسلها عيسى السباح عرضية قبالة مرمى علي العامري، ويحولها سهلة إلى الشباك.. إنها الصدمة الأولى.. هدف أول للطائي.. بعدها مباشرة يضطر الأردني عيسى السباح لمغادرة الملعب ويضطر الطائي لإكمال المباراة ناقصاً بعشرة لاعبين؛ لأنه استنفد التغييرات بعد دقيقتين أخريين، يسدد حسن الحجي كرة زاحفة من خارج منطقة الثمانية عشرة تستقر في الشباك هدفاً ثانياً.. أصبحت النتيجة هدفين للطائي وليس للاتحاد.. فعلاً المفاجأة سبقت أوانها بكثير.. قبل أن ينتقل الفريقان للإضافي الثاني كان حتمًا أن يضع الاتحاد بصمته الأولى والأخيرة عن طريق عبدالعزيز العرياني..
في الشوط الثاني الإضافي سارت الأمور كما تمنى الطائي.. سجالاً بلا معنى.. حسمت الأمور وانتهى كل شيء.. خرج الاتحاد وعاد الطائي لواجهة الأحداث وعناوين الصحف وأحاديث المجالس.. انقطاع كبير وعودة كبيرة للفارس الشمالي الكريم.