|


أحمد الحامد⁩
من دروس اللطفاء
2022-06-09
انتبهت إلى أن بعض من تعلمت منهم كانوا يتحلون بلطافة شديدة، وأظن أن سحر لطافتهم هو من أكسبهم القوة لكي يبقوا في ذاكرة من يلتقون به أو يصادقونه، عندما عشت فترة في جيلفورد عاصمة مقاطعة ساري الإنجليزية التقيت صدفة بأندرو في مقهى من مقاهي البلدة، رجل كان في منتصف السبعينيات من عمره، وكان ممن ساهموا في تحسين لغتي الإنجليزية بعد أن أصبحنا أصدقاء نحرص على أن نلتقي وألا ننقطع عن بعضنا طويلًا.
في يوم مشمس اتفقنا أن نشرب قهوتنا في حديقة صغيرة، تقع بجانب منزل لويس كارول مؤلف مغامرات أليس في بلاد العجائب، وبجانب المنزل من الخلف هناك تمثال فضي صغير من النحاس يجسد أليس، أثناء تبادلنا الأحاديث وجدت نفسي أقول لأندرو تعال لأريك شيئًا رائعًا، ثم أخذته إلى التمثال وقلت له هذا التمثال لأليس، وهذا المنزل هو منزل لويس كارول مؤلف المغامرات، كان منصتًا سعيدًا بالمعلومات التي ذكرتها له.
عدت بعدها إلى المنزل سعيدًا لأنني هذه المرة أفدت أندرو بمعلومة، بعد أن كان هو مصدر المعلومات في تعليمي للغة الإنجليزية على أقل تقدير. بعد حوالي عامين كنت أجلس في نفس الحديقة لكن وحيدًا هذه المرة، فتذكرت أندرو وتذكرت منزل لويس كارول وتمثال أليس، وكيف أنني أخذت أندرو لأريه التمثال والمنزل، ثم طرأ في عقلي سؤال مفاجئ: هل يعقل أن أندرو الذي عاش في هذه البلدة الصغيرة عشرات السنين لم يكن يعرف أن منزل لويس كارول وتمثال أليس يقع في هذه البلدة وبجانب هذه الحديقة؟ لم أفكر طويلًا ووجدت نفسي أقول في نفسي: يا للطافة هذا الرجل.. كان يستمع لي وكأنه يتلقى المعلومة لأول مرة، وينظر إلى التمثال وكأنه يتعرف على تفاصيله، عندما أدركت حقيقة ما كنت عليه تشكل في قلبي حزنًا، ليس على أندرو الذي وافق أن يلعب دورًا لمجرد أنه إنسان لطيف، بل على نفسي لأنني كنت جاهلًا عندما قرَّرت أن أعرّف مواطنًا ببلدته وعندما اعتقدت أنني أقول شيئًا له جديدًا لا يعرفه، كان حزني يزيد كلما تذكرت تركيز نظراته إلى التمثال، ويزداد أكثر كلما تذكرت الرضا الذي عدت فيه ذاك اليوم إلى منزلي.
لكن لا شيء دون فائدة فقد تعلمت، وأول ما تعلمته هو الشعور الذي يعيشه من يجهلون بالشيء، لكنهم يعتقدون أنهم على الحق، لا شك أنهم يعيشون في سعادة. بعثت رسالة إلى أندرو وحددت معه موعدًا، شكرته على لطافته، وكيف أنه لم يقاطعني عندما قلت له تعال لأريك منزل مؤلف أليس في بلاد العجائب، كان بإمكانه أن يقول إنه يعرفه. لاحقًا علمت بأنه عندما كان معلمًا كان يأخذ طلابه الصغار في رحلات داخل البلدة، منها إلى تمثال أليس في بلاد العجائب.