|


أحمد الحامد⁩
زحمة دورات ومدربين
2022-06-14
من أشهر أفيهات السينما العربية ما قاله توفيق الدقن في المشهد الذي أعلن فيه سعيد صالح قراره بأنه أصبح (فتوّة)، فما كان من توفيق إلا أن قال: (هو جرى إيه للدنيا.. الناس كلها بقت فتوات.. أمال مين اللي حينضرب؟).
اليوم لا أدخل على تويتر أو الإنستغرام إلا وأجد من يعرض خبراته لمن يريد تحقيق الثراء على الإنترنت، أو تطوير الذات، أو التجارة الإلكترونية، ومجالات أخرى كثيرة، حتى تخيلت توفيق الدقن يقول: (هو جرى إيه للدنيا.. الناس كلها بقوا مدربين..أُمال مين اللي حيتعلم؟). من أصعب المواقف التي يوضع فيها الإنسان عندما تتم استشارته، لأنه وإن كانت لديه خبرة في مجاله، إلا أن إجابته قد لا تكون مفيدة، وقد تكون مضّرة، لأن حالة السائل قد لا تكون نفس حالة المجيب، لا في القدرات ولا في الظروف، ومع أن إجابة المجيب صحيحة، إلا أنها خاطئة إذا ما قدمت دون دراسة ظروف وإمكانيات السائل. كنت أنزعج من الاجتماعات الطويلة التي يعقدها أحد المسؤولين في العمل مع كل موظف على حدة، وأذكر أنني كنت أقول في نفسي (شتبي يا أخي قول اللي عندك وخلنا نروح)، كان يسأل عن مكان السكن، ومدة المسافة من البيت للعمل، وآخر ما قرأته، وعن اهتمامات الطفولة، وإن كنت أستمع أو أشاهد أي برامج، كانت أسئلته تبدو بعيدة عن العمل، وكنت أجيبه من باب المجاملة محاولًا الاختصار، وكان لا ينسى أن يسألني بعد أيام إن كنت قد قرأت الكتاب الذي أوصى بقراءته، اليوم أفهم لماذا كان يكثر في الحديث معي ومع كل زميل، كان يريد أن يتعرف في كل مرة على القدرات التي عند فريق عمله، وإلى ما يميلون إليه في العمل، وكان يسأل عن يوميات فريق عمله ليعرف إن كان لديهم وقت يستطيع استثماره، سواء في تثقيف أنفسهم، أو في العمل لساعات إضافية، يرفعون فيها أجورهم. كان يحاول أن يدرس كل حالة على حدة، فيضطر لطرح الأسئلة، وفتح المواضيع، وهذا ما أظهره لي ولبعض الزملاء خطأً أنه يحب الكلام لمجرد الكلام. التدريب ضرورة للإنسان، لأنه يعلّم ويطوّر، لكن الكثير من المدربين يخطئون عندما يعلنون عن دوراتهم على أنها ضمانة للنجاح وللجميع، وهذا أمر خاطئ جدًا، لأن ما قد يصلح لهذا المتدرب قد لا يصلح لمتدرب آخر، وما قد يستوعبه أحدهم قد لا يفهمه زميله، المدرب يجب أن يفهم حالة كل متدرب على حدة، يتعرف على قدراته جيدًا، وقد يقرر المدرب الأمين أن الدورة لن تضيف شيئًا لبعض المتقدمين للتدرب، لأنه لن يضيف لهم شيئًا بسبب معرفتهم مسبقً بالمعرفة التي سيقدمها في الدورة، فلا يضيع عليهم المبلغ الذي سيدفعونه، وقد لا يقبل بقبول طلبة آخرين، وينصحهم بدخول دورات في مجالات أخرى، لأنها الخيار الأفضل لهم، كل هذا بعد دراسة حالة وقدرات كل متدرب على حدة. كان وما زال أحد الأصدقاء، ومنذ سنوات، يكرر سؤاله غير الجاد: كم هي المدة التي ستستغرق لتدربني لأكون مذيعًا، وكنت وما زلت أكرر له الإجابة: ما أدري.. يمكن ثلاث أيام.. يمكن ثلاث شهور.. يمكن ثلاث سنين.. يمكن ما تصلح.. يمكن ما أصلح أكون مدربًا.