|


أبونعمان في نجران

2014.12.27 | 06:00 am

يعرفه سكان منطقة نجران عامة, وعشاق كرة القدم على وجه الخصوص, كونه يقضي سنته الـ28 داخل أسوار نادي نجران المتأسس في العام 1980, انه عامل الخدمات شيخ عبد المناف “هندي” الذي يحكي أنه جاء للمرة الأولى عندما كان الفريق الأول لكرة القدم بنادي نجران في دوري المناطق, ليعيش معه الأحزان والأفراح في تصفيات الصعود من الأرياف, مرورًا باللعب في دوري الدرجة الثانية, والتواجد لأول مرة في دوري الدرجة الأولى عام 1991, قبل أن يشهد على صعود الفريق الأول إلى الدوري السعودي للمحترفين في موسم 2007.
ويبدو شيخ عبد المناف من الشخصيات ذائعة الصيت في نجران, حتى يُحكى أنه لا يقبل خسارة تتكبّدها أي من فرق النادي في كافة الألعاب, وذهب البعض ليؤكد أنه أحد أسباب صعود الفريق الأول لكرة القدم إلى دوري الدرجة الأولى في إنجاز فريد من نوعه عام 1991.
عاصر العديد من الرؤساء, وفي سنواته الأولى التي عرف بها النادي, شهد بعينه على أحد الرؤساء يركل كرة القدم ناشئًا, ويروي أن ما يربطه بمارد الجنوب تجاوز مرحلة “طلب الرزق”, ذلك ما دفعه لحضور حفلات أفراح بعض منسوبيه واللاعبين, فيما يحرص كثيرًا على الوقوف بجانبهم في أحزانهم ومواساتهم, ساعة فراق قريب, أو وقوع مكروه.
“الرياضية” في التقرير التالي تسلّط الضوء على حياة “بسيطة” يعيشها “أبونعمان”, في وقت يستعد لحزم حقائبه والسفر إلى بلاده ليحتفل بعد أسابيع بزواج إبنته هناك جنوب القارة الآسيوية.

رؤساء سبعة
عاصر شيخ عبد المناف رؤساء عدّة للنادي منذ العام 1986, عندما كان فهد جماهر رئيسًا للنادي, كما أنه شهد على رئاسة مسلم قحيشي لعامين حتى تسّلم محمد جحيف الرئاسة عام 1991, ليتركها بعد عامين لرئيس هيئة أعضاء الشرف الحالي مسعود آل حيدر, والذي استمر حتى العام 2001, عندما عاد فهد جماهر للرئاسة وصولا إلى العام 2005 الذي شهد تنصيب مصلح آل مسلم وبقي في المنصب ست سنوات شهدت ابتعاده مطلع العام 2011 ليتولى المهندس صالح مريح الرئاسة مكلفًا قبل انتخاب الرئيس الحالي هذيل آل شرمة مطلع العام الماضي, وجميع هؤلاء يؤكد شيخ عبد المناف على قربه منهم, ويشيد بأيام جميلة قضاها في النادي ابان فترة رئاستهم, لكنه يرى أن مصلح آل مسلم هو الأبرز من بينهم, كون ناديه عاش في فترته أيامًا سعيدة, تمثّلت بالصعود من الدرجة الثانية مرورًا بالأولى حتى الوصول إلى الدوري الممتاز.

موقف تاريخي
لا ينسى النجرانيون موقفه في مباراة فريقهم أمام النخيل عام 1991, والتي صعدوا من خلالها للمرة الأولى في تاريخهم إلى دوري الدرجة الثانية, تلك المباراة لعب فيها شيخ عبد المناف دور المنقذ, عندما عمل كان يلاحق الكرات خلف مرمى النخيل في شوط المباراة الثاني, لإحضارها بأقصى سرعة, كون العاملين اختفوا عن الأنظار مع اقتراب صافرة النهاية.
وبعد وصول المباراة دقائقها الأخيرة, وكانت النتيجة تقدم النخيل بهدف للاشيء, وكان نجران بحاجة للتعديل على أقل تقدير ليضمن تحقيق إنجازه التاريخي, وبالفعل اثمرت جهوده في تسجيل فريقه هدفًا ثمينًا, حققوا به الحلم, ليكون “لاحق الكرات” سر الانجاز الثمين.
وقبل ثلاثة مواسم, رصدت كاميرات النقل التلفزيوني لأحد لقاءات الفريق في الدوري فرحة هستيرية لشيخ عبد المناف, بعد تسجيل الفريق هدفًا في الرمق الأخير من المباراة ساهم في الخروج بنتيجة الفوز وخطف النقاط الثلاث.

سعادته في السفر
يقضي شيخ عبد المناف أيامه سيرًا على برنامج واحد, لا يحكمه سوى مواعيد تدريبات الفريق الكروي ومعسكراته ومبارياته, حيث يشير إلى أن غرفة نومه عرفها منذ سنوات في مقر النادي, ليس بإمكانه تركها أو الرحيل عنها في الوقت الحالي.
ويبدو سعيدًا وهو يتنقل مع الفريق من منطقة لأخرى, إلا أن راحته الكبرى تتمثل في البقاء بنجران, ويتمنى لو جرت جميع لقاءات الفريق الرسمية داخل قواعده دون تكبّد عناء السفر.

العربة الزرقاء
يعرفه الأهالي هناك بعربة “هيونداي” زرقاء, يقضي بها حاجات الفريق, بل النادي, وأحيانًا عدة يتقمّص شخصية مسؤول العلاقات العامة في استقبال وتوديع اللاعبين القادمين الى مطار نجران الاقليمي والمغادرين منه, وفي جميع الأيام التي يقضيها في المنطقة, يكون تركيزه على خدمة عشقه, حيث يتواجد صباحًا في مقر النادي, يسقي الأشجار أو يعمل على صيانة الملاعب والمرافق, لكنه لا يتردد في الخروج لإنهاء بعض الأمور العالقة, وبعضهم يكشف عن لقائه في مديرية الجوازات, وآخر يتحدث عن صدفة جمعته به في المكتب الرئيسي لرعاية الشباب بالمنطقة لمتابعة سير بعض المعاملات, أما المساء فإنه يقضيه في تدريبات الفريق وتلبية مطالب اللاعبين المحليين والأجانب, قبل أن تجمعه مائدة العشاء مع أحدهم.

التجهيز للتمرين
يحرص شيخ عبد المناف قبل ساعات من الحصة اليومية, على حمل كافة اللوازم من حوائط صد وحواجز حديدية وكرات وأقماع بلاستيكية, والتوجه بها الى ملعب نادي الأخدود الرديف, وهذه مسافة لا تقل عن 20 كيلو متر.
كما انه لا ينسى أبدًا الوقوف وهو في طريقه عند احد المراكز التجارية وحمل كمية المياه الموصى بها وأكياس الثلج المطلوبة بأمر الجهاز الطبي, ومعها يضيف قليلاً من المشروبات المُنعشة والفواكه الطبيعية ليتناولها اللاعبون قبل النزول إلى أرض الملعب, كما أن المرور على مغسلة للتنظيف الجاف وإعطائها زي الفريق الخاص بالمباريات أمر لا يغيب عنه بعد كل مباراة, حيث يشترط انتهائها في وقت مبكر من صباح الغد لتبقى جاهزة قبل المباراة المقبلة.

طوق نجاة
لأنه يعمل بلا كلل أو ملل, ظنّ الإداريان حسين حنظل وصالح قميش أن دورهما يقتصر على تحضير اللاعبين ورصد مخالفاتهم الإدارية, فيما يعتقد سكرتير الفريق ايهاب سيد (مصري) أن مهامه تقف عند ايجاد حجوزات طيران مباشرة أو تأمين غرف فندقية شاغرة لأعضاء بعثة الفريق للدخول في معسكر مغلق للمباريات.
في جميع الأزمات والاشكاليات التي تواجه الثلاثي, يرون “عامل الخدمات” طوق نجاة لهم, فيتوجهون اليه بحثًا عن حلول عاجلة, ولأنه يحرص دومًا على سير العمل دون كوارث, يستعين بخبرته التي تجاوزت 25 عامًا ليوجد لهم مخرجًا.

مسعف المصابين
عندما تتواجد في حصة تدريب رئيسية لفريق نجران تكاد تصاب بصدمة لحظة رؤيته مهتمًا بأدق التفاصيل, ومتابعًا لعمل وتحضيرات الجهاز الفني, بينما تتوجّه أسئلته باستمرار نحو الجهاز الطبي حول جاهزية المصابين وإمكانية لحاقهم بالمباريات المقبلة, لكن جميع ما سبق لا يمثّل شيئًا عندما ينهض مسرعًا لحظة سقوط أحد اللاعبين متأثرًا باحتكاك عنيف, عربته الصغيرة ستتحول إلى مركبة اسعاف لنقل اللاعب المتألم إلى أقرب مستشفى أو مركز طبي, حينها ستشاهده يطلب من الإداريين متابعة المران, والوقوف إلى جانب الفريق.
ذلك ما جعل لاعب الوسط عبد العزيز حمسل يرفض التعليق لـ”الرياضية” عن علاقتهم بـ”أبونعمان” حيث يرى أن الكلمات لا تصف أفعاله, حتى وصل به إلى أن يصفه بأشهر منسوبي النادي طوال تاريخه, مشيرا الى دخول ابو نعمان في نوبة بكاء حارقة بعد احدى الخسائر التي تكبّدها الفريق قبل موسمين, ويكون أشد الفرحين بالانتصار حال تحقيقه.

إداري المعسكرات
في معسكرات الفريق الطويلة والقصيرة, يمارس الشيخ عبد المناف دور الإداري المسؤول على اللاعبين, فهو من يبلغهم بمواعيد الاجتماعات مع الأجهزة الفنية أو الإدارية, إلى جانب اعلامهم بالبرنامج اليومي, علاوة على متابعة توزيع الغرف حسب النظام المعمول به في النادي، ويحرص كثيرًا على أن تكون غرفته الخاصة قريبة من اللاعبين, وبعد كل وجبة عشاء يمارس عادته التي عرفها منذ سنوات, فيبدأ في توزيع المياه على اللاعبين والمدربين والإداريين, مع التأكيد على ضرورة التزامهم بالبرنامج المعدّ, والنوم المبكر من أجل الاستيقاظ لصلاة الفجر ومن ثم وجبة الافطار.

الصبحي صديقه
طيلة بقائه في النادي رافق ما يزيد عن 250 لاعبًا, و30 جهازًا فنيًا, وفي الموسم الحالي يبدو المدافع نواف الصبحي من المقرّبين إلى قلبه حيث يحرص على البقاء إلى جانبه وتبادل الضحكات والمزاح, خصوصًا في رحلات السفر وساعات الانتظار في المطارات, كما أنه لا يحب الجلوس بعيدًا عنه في الطائرة أثناء الرحلات الداخلية والدولية.
وبعيدًا عن الصبحي يظهر كافة منسوبي نجران احترامًا كبيرًا لشيخ عبد المناف, حتى أن غالبية المدربين الذين أشرفوا على تدريب الفريق لا يرفضون ملاحظات يؤكدها عامل الخدمات على خططهم الفنية, وخياراتهم في العناصر وتوظيفها في المباريات.

الملابس مهمّته
لا يكتفي شيخ عبد المناف بعمله المناط به, فمنذ سنوات وهو لا يرضى أن يتولى غيره مسؤولية ملابس اللاعبين وقياساتهم, إذ يملك الإجابة عن حجم “تي شيرت” كل لاعب, إضافة إلى درايته بأرقامهم, وأحرف أسمائهم الموضوعه أعلى الرقم الخلفي.
أما في المطارات المحلية, فتلك حكاية أخرى, كونه يعمل على “تغليف وشحن” جميع الأمتعه, مع تحمل مسؤولية نقصان ولو قطعة واحدة, ولا يصيبه حزن من بقاء إداريين يحتسون القهوة الساخنة ويتبادلون الضحكات بينما يغارق هو في العمل.

شخصية نادرة
في الليالي التي تسبق المباريات, يدخل الشيخ عبد المناف حالة شد عصبي لعشقه الفريق وعدم قبوله الخسارة, وفي هذا الجانب يصفه قائد الفريق حمد الربيعي بالشخصية النادرة, ويكشف أن ألم الخسارة يزداد لديه عند رؤية “عامل الخدمات” متأثرًا بالنتيجة في غرفة تبديل الملابس, بينما يشير إلى أن فرحته تتضاعف لحظة وقوع عينه على احتفالاته مع زملائه اللاعبين.

الوصول بسهولة
يبدو شيخ عبد المناف هو الوحيد القادر على الوصول إلى أماكن كافة الملاعب في السعودية من أقصر الطرق, ودون سؤال شخص عابر, كما أنه على علاقة ودّ بغالبية القائمين على المدن الرياضية ورجال الأمن والصيانة, يكون سؤالهم دومًا عنه حين علمهم بأن الفريق الضيف هو القادم من الجنوب، وهو ما يجبر الجهاز الإداري على توجيهه بركوب سيارة مستأجرة والانطلاق قبل حافلة الفريق بزمن قياسي إلى ملعب المباراة, على أن يتولى تهيئة غرفة تبديل الملابس, ووضع قمصان اللاعبين في أماكنها المخصصة, علاوة على ضبط درجة برودة الغرفة لتكون مناسبة في فصل الصيف, مع ضرورة الوقوف على جاهزية غرفة العلاج الطبيعي قبل نزول اللاعبين لأداء عمليات الإحماء.

رفع المعنويات
وبعد كل ذلك, يحرص قبل المباريات الرسمية كثيرًا على رفع الروح المعنوية للاعبين, ويعترف صانع ألعاب الفريق أحمد السهيل بصدمته من تصرّفاته عندما قدم للنادي مطلع الموسم الماضي, إلا أنه بدأ لا يستنكر سماعه توجيهات متكررة تصله من زوايا الملعب, كون مصدرها في جميع الحالات سيكون عامل الخدمات المرافق لهم.
يكشف السهيل أن شيخ عبد المناف هو من وقف إلى جانبه بعد استبعاده من القائمة الأساسية المشاركة أمام هجر في الأحساء, ويشير إلى أنه كان يطالبه بدعم زملائه الأساسيين والتأهب للمشاركة بشكل فعّال في الشوط الثاني اذا احتاج المدرب لخدماته.


أبونعمان في نجران

أبونعمان في نجران