|


فهد عافت
مدام بوفاري "ستعرف عن الحب أكثر مما يجب"!
2016-10-22
رواية "مدام بوفاري" لغوستاف فلوبير، واحدة من أعظم روايات الدّنيا، وهي من الشهرة والمجد بمكانةٍ يصعب معها المديح والإطراء، فقد كسبت من العبارات الرّنّانة ما تستحق، أختصر رأيي: هي أفضل رواية قرأتها في حياتي، وقد يكون في ذلك حماسة عاطفيّة لا أتبرّأ منها، لكن هذا هو بالفعل ما شعرت به في كل فصل ومقطع وسطر وعبارة من الرواية، التي أنبّه أنني قرأتها بترجمة العَلَم الكبير "محمد مندور"،
ما قدّمه فلوبير في هذا العمل، شيء لا يكاد يُصدّق من نحت الشخصيّات بشاعريّة روائية، وبفيض من النَّمْنَمَةِ جمالهُ لا يُقاومُ، وليس له مثيل من حيث الصّقْل: لو كان لهذا الجمال مثيل لما كان غوستاف فلوبير هو غوستاف فلوبير!،..
عدد لا نهائي من الانفعالات يُمكِن أن ينحصر في دقيقة واحدة، كجمهور من الناس في مكان صغير، حين يكون حديث "إيما" مع "شارل" عن وفاة زوجته، نسير ـ على الأقل ـ في دربين متوازيين، درب الكلام ودرب طريقة الكلام، يكون الكلام عَزائيّاً، ورَسميَّاً قدر الإمكان، لكن فلوبير ينقل لنا أيضاًـ وبدقّة يا لفتنتها ـ حركات الأيدي وبريق العيون وخفوت الأصوات عند بعض الكلمات وحِدَّتها عند كلمات أخرى، ينقل لنا ما يأتي في لحظةٍ أو أقل من السَّرَحان وانفراج الشفاه عن ابتسامات تُغادر الحزن ساهية وعامدة، الكلمات تُغَيِّر الملامح لكن المَلَامِح تُغيِّر الكلمات أيضاً!، كل هذا والمشهد ليس أعلى مشاهد الرواية بل إنه ليس هناك ما هو أقل منه!،..
وَهَجُ النّار، نوعيّة المقاعد، الخشب، الجِلْد، الصُّوف، القطن، الأظافر: تشذيبها والطِّلاء، تسريحة الشَّعر، الوقت، قماش وألوان السّتائر، نوع الشَّرَاب ساخناً أم بارداً، كيفية تقديمه وفي أي كوب، الشارع نظافةً ورَصْفاً، كل ما هو ثابت وكل ما يهتزّ صاخباً أو في حفيفٍ ضئيلٍ، لون أوراق الأشجار: الأخضر والرّماديّ والمُصْفّر والمُذَهَبّ تبعاً لاختلاف الفصول والأوراق، كل شيء يُمكنه تغيير مسار كل شيء، بإمكان فلوبير أن يقنعك، وسيفعل، بينما يتحدث عن الأكل والأطباق أن أمور الدنيا كلها تجري وفْقاً لمصادفات الطّْعَام!،..
بعد قراءتك لرواية "مدام فلوبير" ستعرف عن الحب أكثر مما يجب!
مما سجّلته من ملاحظات في هذا الخصوص أثناء قراءتي للرواية أقتطف ما يُمكن نشره:
ـ في الحب، ما لم تحسّ أن دقّات قلبك مطارق عمّال تدقّ جدران مراكب وسفنٍ، فإنك لم تعشق بعد!
ـ إن التقيتَ بحبيبتك بعد فراق طويل، فلا تُكثر من سرد ذكريات الماضي، ذلك قد يُشعرها بأنها تقدّمت في السِّن كثيراً!
ـ نصيحة للعشّاق: لأنّ إمكانيّة الخذلان حاضرة دائماً، حاذروا من قراءة الرسائل في أماكن عالية، تُغريكم بالسقوط منها في لحظة ضعفٍ وخيبةٍ!
ـ في الحب كما في الفن: الحياءُ أكثر خَطَراً من الجُرأة!
نعود للرواية، التي هي باختصار عمل عبقري يصعد بك لكن إلى غيابة الجُبّ والحب!، لحظات كأنها سنبلة من الشرر تحت حدوة حصان يعدو!، وصفٌ لغابة النفس البشريّة عن طريق حفيف الأجنحة!