|


فهد عافت
يا لكثرة المساحيق
2016-10-23
قبل ثلاثين عاماً، قرأت كتاباً عن الجَمال، غيّر حياتي ذوقاً ومفاهيم، اسم الكتاب " النقد الفني: دراسة جمالية وفلسفية" لجيروم ستولنيتز، ترجمة الفخم الدكتور فؤاد زكريّا، والأسبوع الماضي خصصته لقراءة ثلاثة كتب في علم الجمال، الأول: الجمال لروجر سكروتون، ترجمة عهد صبيحة، كتاب يأخذ مسألة الجمال، على محمل الجد، لكنه لا يتغافل مقولة "أوسكار وايلد" التهكمية، والتي تقلب الطاولة على رؤوس الجميع: "إن الرجل السطحي فقط هو من لا يحكم بالمظاهِر"!،..
الكتاب الثاني: "ما الجماليّة؟" لمارك جيمينيز، ترجمة د. شربل داغر، وهو لا يقل زخماً، ومسؤوليةً، عن كتابنا الأول، وقد يزيد رشاقةً، بسبب فنونه في طرح الأسئلة، وإيمانه بأن المعارف والأخلاق والفن والطبيعة، تمتلك معنى ختامياً، حتى وإن كان هذا المعنى مجهولاً!،
الكتاب الثالث: تاريخ الجمال.. الجسد وفن التزيين.. من عصر النهضة إلى أيامنا، لجورج فيغاريلّو، ترجمة د. جمال شحّيد، كتاب ممتع، لا يكتفي بكشف تباين معايير الجمال عبر التاريخ، لكنه أيضاً، يتتبّع تباين طرق التعبير في وصفها والنظر إليها، ولأن الكتاب يبحث ويتأمل في جمال الجسد، فإنه ينفع للعشّاق والراغبين في الغزَل!، ولسوف تبتسم لك تقلبات الذوق الإنساني لجمال المرأة تحديداً، من عصر "المربربات" إلى عصر النحافة الهوليودية، حيث التركيز على الاستدارة والانحناءات والتقوّسات!، يا لكثرة المساحيق ويا لشدّة الخِدَع، سنة 1859 ظهرت كلمة "مكياج" لأول مرة في القاموس الفرنسي!، الفترة ما بين الحربين العالميتين، احتاجت البشرية فيها، لكثافة إغراءات، أثمرت ظاهرة "ملكات الجمال"!، يتحدث الكتاب عن أمور بعضها "عيب" لا تطلبوا مني كشفها!، وعن السينما وكيف ابتكرت جمالاً لا واقعياًّ في خدمة الواقع: وجه مكبّر في وسط الشاشة، حاجبان مرسومان، زينة ناعمة، وشعر مسربل بالنور، يهفهف متى شاء!، أتذكر هنا مشهداً من فيلم "إسكندرية كمان وكمان" ليوسف شاهين، تكشف فيه زوجة المخرج عن غيرتها من بطلته، تتنهّد بحسرة حسد، لأن البطلة محظوظة ليس بجمالها فقط بل بالهواء الذي يُطيّره، يلتفت المخرج لزوجته كاشفاً حيلة مروحة الهواء الصغيرة المُستخدمة لهفهفة الشعر في مشاهد السينما!،..
قليلة هي الكتب التي لا تعيق رزانتها خفّتها!، هذه الكتب الثلاثة منها، وفيها، وفي كتاب ستولنيتز الأهم طبعاً: فلاسفة الدنيا وشعراء الأرض، وسيل من أعظم الموسيقيين والروائيين والرسامين، يجلسون على طاولة واحدة، فتكتشف أن العبقريّة تثير الإعجاب حتى في أخطائها!،..

رشفة أخيرة من الفنجان:
يكفي "المُرَبْرَبَات" أنهنّ دوّخْنَ أشعر أهل الأرض، السبع دوخات، يقول المتنبّي:
كأنّما قدّها إذا انفَتَلَتْ..
سكران، من خمر طرفها ثمِلُ!
يجذبُها تحت خِصْرها عَجُزٌ..
كأنّهُ من فِراقها وَجِلُ!