|


فهد عافت
‏شخصيات لا تُنسى!
2017-01-09

ـ يحدث ذلك كثيراً في أفلام السينما الجيّدة، شخصيّات ليست رئيسيّة، ثانويّة، أو على الأقل أنزل درجة من شخصية البطل الأساسي، تظل في ذاكرتك، يصعب نسيانها، لزخم الجوهر فيها.

 

ـ الأمر نفسه يحدث وبنفوذٍ أشد حَمَيَّةً وأعذب فيضاً، في الرّوايات بديعة الصّنعة، والمسرحيات الفِخام.

 

ـ شخصيّة ياغو، في مسرحية عُطيل لشكسبير، رُسمت بعناية أدبية، تسمح لآلاف الدراسات الإتكاء عليها، وظنّي أنه ما مِن أحد قدر على رسم إبليس في هيئة آدميّة، مثلما فعل شكسبير مع ومن خلال ياغو!، كيف أوقع ياغو عُطيل في الغيرة؟، ..: بكثرة تحذيره منها!، تكره ياغو، وكل أفعال ياغو، لكنك لن تحتقر فطنته، ستعرف منذ البدء الخسّة والانحطاط التي يمكن لدهائه الوصول إليها، غير أنك لن تقدر على وصف الدهاء نفسه بالخِسّة ولا الانحطاط!، لأنه فيما لو سُخِّر هذا الدهاء في سبيل الخير والسلام، أو لمناصرة قضيّة عادلة، فإنه حتماً سيحقق نتائج عظيمة للإنسانيّة!.

 

ومن مزايا الفن الخَلّابة، أنه وبكشفه لنفسه منذ البدء على أنه فن وأدب، يُخلّص المتلقي من عُقدة الضمير، التي يمكن لها القفز أخلاقياً على كل مظاهر المشهد فيما لو كان المشهد حقيقةً وليس فنّاً!.

 

ـ السيّد هوميه، في عمل فلوبير الخالد "مدام بوفاري"، ليس من ضمن الحكاية، لكنه في صميم الرواية، يمكن سرد الأحداث بعيداً عنه، لكنني لم أجد شخصيّة قادرة على أن تتكشف لي في كل مثقف زائف، أو موهوم بموهبة، أكثر من صاحب الصيدلية هذا!.

 

تتبّع شخصية هوميه هذا، ولسوف ترى عشرات الوجوه من أهل الصحافة والثقافة والأدب، أسماء كبيرة ولصيتها ما للطبل من علو الخبط، تتساقط بسهولة أمام عينيك!، كل من يطنطون بكلمات رنّانة، ثم حين تفتش فيها، لا تجد وجهة نظر واحدة تتسم بالعمق والجديّة، كلمات يريدونها أقوالاً مأثورة، تحقق لهم مزيداً من الجماهيريّة، هم هوميه!. 

 

كل من إذا واجهتهم في نقاش فكري حقيقي ووجدوك محصّناً ضد الجهل أو هيبة الأسماء، سارعوا إلى تغيير الموضوع أو تحويله إلى فكاهة، أو تواضعوا بخبث الجبناء لتمر العاصفة، هم هوميه، ويظل هوميه أكثر طهراً لأنه رسم أدبي وفني!.

 

ـ وفي رواية زوربا، المدهشة لكازانتزاكيس، أعترف أن أكثر شخصية أحببتها، هي شخصية والد زوربا، التي تظهر في سطور قليلة فقط، وعلى لسان زوربا نفسه، وسيظل مشهد الغضب الذي سبق قرار والد زوربا للامتناع عن التدخين بقيّة العمر، واحداً من أجَلّ المشاهد الروائية، كلّما دار الحديث عن الحريّة!.

 

ـ وفي روايته الأكثر شهرة وضجيجاً، رسم نجيب محفوظ شخصيّة عَرَفَة في "أولاد حارتنا"، لتكون واحدة من شخصياته التي لا تُنسى، رغم أن "آفَة حارتنا النسيان"!.