|


فهد عافت
فهد المولّد في جزء من الثانية
2017-01-14

هل يمكن لثانية، لجزء من الثانية، أن يغيّر حال وحالة إنسان؟

 

ظني: يُمكن، بل إن هذا ما يحدث دائماً، في الخير من ريبةٍ إلى مرتبة، وفي الشر من وضعٍ إلى وضاعة!.

 

أول تقديرات الإنسان للزمن، أول قياساته، أول ثوب للوقت تم تفصيله، لم يحسب حساب الساعة، وتجاهل الدقيقة، ولم يفكّر أصلاً بالثانية، لكن الإنسان اخترع الساعة الرملية، لأنه عرف قيمة الوقت، عقرب الدقائق انتظر زمناً طويلاً ولم يظهر إلا في مطلع القرن الثامن عشر، وبعد مئة سنة من ظهوره، وفي مطلع القرن التاسع عشر ظهر عقرب الثواني.

 

وعرف الإنسان أنه كلما قدر على حبس الزمن في زاوية أضيق، تمكّن من أعاجيب، غَدِقَة ومُمحِلة، خيّرة ووحشيّة الشرور.

 

فلنكتب عن لحظات رياضيّة، في جزء من الثانية خرج مصاباً لاعب فرنسي كان هو الأهم تقريباً، وبديلاً عنه نزل زين الدين زيدان، وقت المباراة كان يلملم أغراضه، لكن زيدان سجّل هدفين، ومن يومها إلى أن اعتزل، كان سيّد الزمن الفرنسي في كل مباراة.

 

ولا يزال الغمز واللمز حاضراً بالنسبة للأرجنتيني المكير ميسّي، لاعب قادر على كل شيء في كرة القدم باستثناء حراسة المرمى، يصنع الأعاجيب، ويبتكر ما لا يخطر على بال، لكن أسوأ أعاجيبه فشله المتكرر في صناعة فرح أرجنتيني، مباهج ميسّي كثيرة لكنها لا تتحدث الأرجنتينيّة!.

 

والغمز واللمز يدور حول أول ظهور له مع منتخب بلاده، عقرب الدقائق أتم أو لم يتم دورتين، وطُرِد ميسّي من الملعب، ومن يومها - الله وكيلك - وميسّي بلا منصة تتويج مع الأرجنتين، وهو الذي يحتاج إلى خزائن إضافية لصفّ ميدالياته وجوائزه مع برشلونة.

 

نأتي إلى لحظة، ومضة، محليّة فارقة، كان فهد المولّد قبلها شيئاً وصار بعدها شيئاً آخر تماماً، أمام منتخب الإمارات، وقد حَسِب الجميع أن السيد مارفيك أخطأ التدابير، نزل فهد المولّد بديلاً، وقبل أن نُتمّ اعتراضنا على الأمر، وبين الأرض والسماء صافحَت قدم المولّد الكرة المُرسلة، في جزء من الثانية أو أقل حدثت الأعجوبة، مصافحة ولا أمتع، وفراق ولا أروع، كان مشهد الكرة آتيةً وذاهبةً يُشبه خفق جناحي طائر، أو طفلاً يرسم تَلَّيْن، وحفظت ساحة ملعب الجوهرة أجمل لآلئها، بعد هذا الهدف تغيّر فهد المولد كثيراً، وكأنه وُلِدَ من جديد، جزء من الثانية منح فهد المولد صكّاً شرعيّاً بأحقيته في موهبته، عرف بعدها أن الكرة تناديه، تحبّه، تريده، وأن كل ما عليه أن يقبل الدعوة، وقد قبِلَها، صار لا يسابق الكرة، لا يتخبّط حين يراقصها، وقرأ المكتوب على باب لعبة كرة القدم، قرأ اسمه بين الأسماء القليلة المحفورة على الباب، وعبارة صغيرة تحتها: يمكن للجميع أن يدخل لكن هؤلاء فقط يمكن لهم فتح صندوق الأسرار.