|


سلطان رديف
جنازة الفكر
2017-01-22

عندما يدخل فكر الغوغائية ليكون هو السائد، فلا تنتظر من هذه المنظومة، أو تلك أن تنتج رأياً صادقاً، أو تناقش مشكلة عامة، أو تعالج خطأ قائماً، فلن تشاهد إلا متعصباً لرأي أو فكرة أو ميول، ولن تسمع إلا لصراخ يصيح هنا وهناك، وتلك البضاعة ستجد من يصرف عليها الكثير لتخريب العقل المجتمعي في هذا المجال أو ذاك، فتظهر لدينا ثقافة المؤامرة، وتصفية الحسابات، فتشاهد اللطم الفكري في منصات عدة على جنازة الفكر، التي نشيعها كل يوم، ومع كل حدث، ومع كل قضية، ومع كل قرار وخطوة، بل للأسف نلمس أن هناك من يجتمع ليمنهج الطرح بالسذاجة التي تجعلنا نؤمن يقيناً أن هؤلاء العباقرة ليس لهم أي علاقة بقيم المهنية الرفيعة، ولديهم جهل عميق بأهمية أمانة الكلمة والرسالة نحو مجتمع يتلقى كل ذلك رغماً عنه.

 

الجدل الصاخب في مجتمعنا الرياضي لا يخرج أبداً في معظمه عما ذكرت آنفاً، بل قد يكون أكثر مرارة، فهناك من يتكسب شهرة ومالاً على حساب المجتمع والفكر والثقافة وعلى حساب التاريخ والرموز، فننتج جيلاً ساخطاً على كل شيء، فالحرية بلاغة، والبلاغة فكر وثقافة وخلق واحترام في الخطاب وللمخاطب، فإن تجاوزنا ذلك فنحن نظلم أنفسنا بأنفسنا بعلم أو بدون علم.

 

فالرسائل الهابطة في اللغة والمضمون عبر وسائل الإعلام المختلفة والإسقاطات الجارحة على الشخصيات والكيانات والتاريخ والشائعات الكاذبة التي تناقش على أنها حقائق دامغة، والمزايدات الرخيصة، أصبحت السمة، بل يجدها البعض بطولات تسجل له وتروج تحت عناوين عريضة تجذب المشاهد ليسجل هذا أو ذاك مشاهدات يتكسب منها.

 

إن وهم الحرية، الذي يشعر فيه البعض في فضاء الإعلام الجديد، جعلنا نصل لهذه الثقافة التي خلقت لنا أزمة أخلاقية، علينا أن نناقشها ونحاربها ونضرب من ينتهجها بيد من حديد باسم الحرية الحقة التي هي مسؤولية أكبر من مسؤولية الرقيب، فالكلمة أمانة والأمانة دين، والدين أخلاق، ولستُ اليوم واعظاً ولكن الجرس لابد أن يعلق كل يوم لكي يسمع المجتمع الذي هو أمانتنا الأولى خطورة ما يشاهده ويسمعه، ولكي يعي كل مسؤول أنه مسؤول عن هذا المنتج الذي يقدمه، فبناء المجتمع ثقافة وفكراً وأخلاقاً صناعة شاقة لا يمكن أن نسمح لتجار (وهم الشهرة) بأن يهدموه بنرجسيتهم الواهمة بأنهم مؤثرون.

 

إن المتلقي اليوم في أمس الحاجة لجرعات مناعية تساعده على مواجهة هذا الداء، وتعميق الأسس الوطنية التي تقوي اللحمة من خلال خطاب إعلامي واعٍ يسوده روح التسامح وإحسان الظن وفق منهج الأخلاق، والمحافظة على الروح الرياضية، التي تعني التنافس الشريف في ميدان الرياضة، وأن يكون الاحترام عنواناً للرأي والنقد والاختلاف، فتلك هي سفينتنا التي نريد أن نبحر بها في بحر مجتمعنا لنأكل منه لحماً طرياً.