|


فهد عافت
الكتابة والزوجة الصالحة!
2017-02-16

بالكاد أنهيت الثانوية العامّة، لم أدخل جامعة ولا معهدًا، وحتى في الشهادة الثانوية لم أحصل على درجات عالية، وأتذكر أنني في مادة اللغة الإنجليزية تركت ورقة الأسئلة فارغة، ومثل لاعبي الكرة سجّلت أهدافي في الوقت بدل الضائع، وكانت كلها تسل!، لكنها حُسِبت!.

 

فقد رمى لي صديقي فيصل حمدان الظفيري بورقته كاملة، ونحن نسمي ورقة الأسئلة ورقةً حتى لو كانت في حقيقتها عشرة أوراق، وقد كانت تقريباً كذلك!، ولأنها كانت كثيرة وكبيرة وثقيلة، فقد وَقَعَت في منتصف المسافة بيني وبينه، وشاهدها الأستاذ المُراقِب، تقدّم خطوتين فصارت بين قدميه، انحنى ورفعها بين يديه، أيقنت أنني فشلت وأن صديقي تورّط، لم أرتبك لأن اليأس أطبق، العجيب أن صديقي فيصل لم يرتبك أيضاً، وما فعله لحظتها لا أنساه العمر كله، نهض وقال للمدرِّس المُراقِب: يا أستاذ، إما أن تعطيه الأوراق ليكتب الإجابات، وإمّا أن تؤشِّر على ورقتي بالغش، فنرسب ونعيد السنة معاً، لن أُكمل الدراسة من غير صديقي!، الأعجب أن المُراقب ابتسم وأعطاني الأوراق، فبدأت أول سطر في إجاباتي وقد سلّم معظم التلاميذ أوراقهم وخرجوا!،..

 

لسنوات طويلة، لعشرين سنة على الأقل، ظلّ هذا المشهد يزورني في الأحلام، يحضر مثل كابوس ثقيل، وأنهض حامداً ربي على أنه مجرد حلم غثيث!، ذلك لأن الحدث لا يتم كما تم في الحقيقة، في الحلم يرفض المُراقب تسليمي الورقة، وفي بعض الكوابيس أجد شخصاً لا أعرفه يجلس مكان فيصل، وفي بعضها يتم تغيير مكاني بالأمر فأجدني في قاعة اختبار ليس فيها غيري، على مدى سنين طويلة، لا يكاد يمر شهر دون زيارتين على الأقل لمثل هذا الحلم الكابوس لي في منامي، أنهض مرتعباً، بمشاعر التلميذ وكأن الزمن لم يتقدّم خطوة أو ثانية!.

 

وفجأة انقطع ذلك الكابوس، انتهى تماماً وارتحت منه والحمد لله، كيف حدث ذلك، حدث بعد أن هداني الله سبحانه لكتابة الحكاية كلها، ونشرها في مقال قديم في جريدة "شمس"، لم أكن أعرف أن لمثل هذا الاعتراف، وأن لمثل هذه الكتابة، الفائدة التي أنعم الله بها عليّ فيما بعد، كنت أريد تقديم تلويحة شكر من بعيد لأصدقاء المدرسة ليس إلّا، لكنني اكتشفت فيما بعد كم هي الكتابة نافعة، إنها ليست مسليّة فحسب، لكنها تصلح أن تكون علاجاً أيضاً!،..

 

 

المرض الثاني تخلصت منه بطريقة أعجب، هو القولون العصبي.

 

كنت أشتكي من القولون العصبي، كان يؤذيني بقوّة، ويتسبب لي بآلام شديدة، ولا يكاد يمر أسبوع واحد، إلا وأنا في مستوصف من مستوصفات الرياض، أنام ساعة أو أقل قليلاً على سرير وفوق رأسي كيس مغذٍّ وفي جسدي إبرة!.

 

كان مستوصف "سلامتك" قريباً من بيتي، وصرت أعرف سريري فيه، وفي مرّةٍ من مرّات التلوّي من القولون العصبي، ذهبت إليه، خفّ الألم بعد مرور وقت كافٍ لأثر الإبرة وفراغ نصف الكيس المغذّي، كان الوقت ساعةً متأخرة من الليل، لكنني وقبل أن أنهض، دخل عليِ طبيب مصري في منتصف العمر، وقال مبتسماً: قبل أن تخرج مرّ علي في مكتبي، عندي لك علاج!.

 

بعد ربع ساعة كنت في مكتبه، راح يقلّب في ملفّي مبتسماً، وبمودّة لا أزال أحفظ نكهتها، قال: تزوّج!.

 

كنت في السابعة والثلاثين من عمري، وبعد شهر أو شهرين تزوّجت، ومن يومها ولله الحمد والشكر والفضل والمنّة، ذهب المرض وكأنه لم يكن!.

 

وحضرت السعادة وكأنها ثالثة الشهيق والزفير،..

 

وبعد سنتين زرته شاكراً وبين يدي ابنتي نوف،..

 

ويظل أطيب العلاجات الدّعاء، قل يا رب وأبشر،..

 

وقانا الله وإيّاكم شر الكوابيس والأمراض، وأنعم علينا بحمده وبتقبّله الحمد سبحانه وتعالى.