|


فهد القحيز
التحكيم.. ودرس التجارب الثلاث
2017-02-27

ـ يمر التحكيم المحلي بمرحلة صعبة.. فوضعه ومستواه ـ وخاصة في المواسم الأخيرة ـ في تدهور (مخيف) وتراجع (كبير)، فهاهي ثقة الأندية والشارع الرياضي لدينا في التحكيم المحلي (في هذه الأيام)، أصبحت مهزوزة.. ولن أبالغ إذا قلت إنها تكاد تكون شبه معدومة!! بدليل تسارع الأندية (الغنية ماليًّا) في جلب الحكام الأجانب لإدارة مبارياتها.. وأعتقد أنه لو كان المال متوفرًا لباقي الأندية الأخرى، لاستقطبت الحكم الأجنبي ولم نعد نرى التحكيم المحلي حتى في مباراة واحدة من مباريات دوري المحترفين.. وهذا بالفعل ما جاء في التصريحات الإعلامية للعديد من مسؤولي الأندية. 

 

ـ السؤال المهم هنا: لماذا حدث هذا التراجع المخيف للتحكيم المحلي؟ ألم يوجد تطوير للحكام صرفت عليه أموال باهظة؟ وأين نتاج البرامج التي نفذت للتحكيم في السنوات الخمس الأخيرة؟ أو أن هذه البرامج شكلية ومحتواها هش وبعيد عن المنهجية العلمية.. وبالتالي لم يكن لها التأثير الفعال لإحداث التطوير الحقيقي للحكام ونقلة نوعية للتحكيم السعودي.

 

ـ علينا ألا نلوم حكامنا الوطنيين.. فهم شباب متحمسون ويقومون بمهمة وطنية، وأخطاؤهم تعد أخطاء بشرية غير مقصودة، وحدوثها ما هو إلا من ضعف إدارة التحكيم نفسه وضعف التطوير المقدم لهم.. فالحكام ينفذون ما يتلقونه من معلومات في المحاضرات والتعليمات التي تقدم لهم.. ومن خلال تخصصي في مجال تطوير تحكيم لعبة كرة القدم.. أرى أن السبب في عدم إحداث التطوير الفعال لحكامنا المحليين في المواسم الأخيرة.. يعود إلى القصور الكبير في اتباع الخطوات الصحيحة في بناء وتطوير الحكام والتحكيم.

 

ـ عمومًا لجنة الحكام (الجهة المسؤولة عن إدارة التحكيم)، هي من تتحمل نسبة كبيرة في نجاح أو فشل التحكيم في المباريات.. فعندما تنتقي أشخاصاً لا تتوافر فيهم متطلبات ومواصفات وإمكانات الحكم الناجح، أو أنها لا تقدم برامج لصقل الحكم وتطويره، أو أن تقيمها لأداء الحكم في المباراة غير دقيق، وبالتالي لا تعتمد عليه ويكون هناك محاباة ومجاملة في تكليف الحكام والمقيمين ولا تحاسبهم على أدائهم، وتعمل بمبدأ الثواب والعقاب ونظرية البقاء للأصلح، ولا تقدم البرامج والمحاضرات التي تساهم في رفع مستوى الحكم والمقيم.. فإنها تعتبر مساهمة بدرجة كبيرة في فشل التحكيم بوجه عام. 

 

ـ المشكلة الأزلية التي تواجه تطوير الحكام.. هي أن معظم اللجان التي عملت عبر تشكيل لجنة الحكام الرئيسية... دائمًا ما يكون عملها مركزًا في دورات الإعداد والصقل اللذين تقيمهما للحكام على الأمور المعرفية بقانون اللعبة، وتجاهل الوسائل الأخرى المعينة للحكم على تنفيذ القانون واتخاذ القرار الصحيح.. فنـحو 85٪ من المواد التي تقدم في الإعداد والصقل كلها مواد لشرح قانون اللعبة، وتجاهل الجوانب الأخرى المهمة في بناء الحكم.. وبالتالي تجد أن الحكام لديهم إلمام كبير بمعرفة القانون، ولكنَّ وقت التطبيق يرتكبون العديد من الأخطاء بسبب ضعف، إما في اللياقة، أو في كيفية التحرك واتخاذ المواقف وزوايا الرؤيا المناسبة، أو في التعامل مع اللاعبين، أو في توجيه التركيز وتحويل الانتباه.. إلخ. 

 

ـ وكذلك من المشاكل التي تواجه تطوير الحكام.. ضعف تحضير الحكام للمباريات، وكذلك ضعف تقييمهم.. بدليل أن درجة الأداء التي تمنح للحكام لا تميز الحكم الذي أخطاؤه غيرت نتيجة المباراة من الحكم الذي أخطاؤه لم تؤثر في النتيجة.. فكثيرًا ما نسمع أن الحكم حصل على (7.5 أو 8) سواء كانت المباراة خالية من الأخطاء التحكيمية المؤثرة على نتيجتها أو فيها أخطاء، ساهمت في تغيير النتيجة.. فتكاد تكون هذه الدرجات شبه ثابتة في جميع المباريات. 

 

ـ وأيضًا من المشاكل التي لها تأثيرات سلبية على تطوير التحكيم لدينا.. التهاون في الجانب الخاص بحماية الحكام.. فهناك من يسيء للحكام ويتهمهم ويثير الشكوك حولهم وحول أدائهم ويقدح في نزاهتهم وذممهم ويعتدي ويتطاول عليهم.. ونجد أن هناك تهاونًا في تطبيق العقوبات، وأيضًا نوعًا من التفاوت.. فأحيانًا لا تطبق العقوبات بحق بعضهم.. وأحيانًا تطبق عقوبات خفيفة.. رغم أنه توجد لدينا اللائحة الانضباطية التي تنص على العقوبات المشددة لكل من يخرج عن النص أو يتجاوز حدوده مع حكام المباريات. 

 

ـ ختامًا.. أتمنى أن يسعى اتحاد القدم الجديد إلى إيجاد خطة منهجية لتطوير التحكيم، ترتكز على أسس وأساليب علمية تراعى عند الانتقاء لدخول المجال التحكيمي، وعند تنفيذ البرامج والدورات التي تقدم للحكام والمقيمين، وعند تقييم أدائهم وتصحيح أخطائهم، وعند تكليفهم للمباريات، وعند ترشيحاتهم للشارة الدولية والمشاركات الخارجية.. وعدم الاعتماد الكلي على الخبير الأجنبي (الإنجليزي مارك كلاتنبرج).. فأعتقد أن الفشل في الثلاث تجارب السابقة للخبراء الأجانب الذين عملوا في مجال تطوير تحكيمنا المحلي يبقى درسًا يجب التعلم منه هذه المرة.. والأهم أن نضمن تطوير التحكيم لدينا وتحسن أداء حكامنا في أقرب وقت، وعدم هدر المال وإضاعة الوقت دون أي فائدة للتحكيم المحلي. والله من وراء القصد.