|


فهد عافت
‏الفنان: النور والغرور!
2017-03-16

 

ـ يحب الفنان مُتلقِّيه حبًّا جمّا!، لكنه لا يلتفت إليه، وهو متى ما التفت إليه فَقَدَهُ!،..

 

ـ الفنان ليس مغرورًا أبدًا، ولا هو متغطرس، يشعر بأنفاس جماهيره، وكثيرًا ما يتخيّل بريق عيون أحبّة فنّه، وكثيراً ما يَصْدُق التّخيّل، لكن الفنان لا يقدر على التأكد من ذلك، يُرهقه الأمر، يُعذِّبه، لكنها مسألة قدر!،..

 

ـ كثير من أهل الفن لا يستحملون، يريدون لمس محبوبهم، رؤيته على الأقل، التأكّد من وجوده حقاً وليس وهمًا أو تخيّلاً أو ظنًّا، وهم حين ينجزون أطيب أعمالهم يشعرون بأن لديهم الحق في رؤية جماهيرهم، في رؤية واحدٍ منهم على الأقل، رؤيّةً حقيقيّة، يهزمهم الشوق والشغف، فيلتفتون، وما إن يلتفت الفنان حقًّا، حتى يتطاير كل شيء، يتلاشى ويختفي!،..

 

ـ قد لا ينكسر الفنان لذلك، لأنه ولو لجزء من اللحظة سيتأكد له فعلاً مشهد الوجود من خلال هفهفة الاختفاء وضبابيّة التلاشي وعطر الدفء، هذا العطر الدافئ هو آخر المنسحبين، يُحسّه الفنّان لكن بحسرة فقد كبيرة ومُوجِعة!،..

 

ـ لا يعود بعدها الفنان قادرًا على اتِّزانه الأول، فبفقده لأحبّته فقَدَ أيضًا شيئًا من اتِّزانه وإلى الأبد!، وقد يكون الضرر بليغًا، إذ قد يفقد الفنان اتِّزانه كلّه، فيصير مهرِّجًا أو مخبولاً!،..

 

ـ الذين يحسبون الفنان مغرورًا بعدم التفاته إليهم، يظلمونه أكثر مما يفعل أي مخلوق آخر!،..

 

ـ والفنّان المتلفِّت للأصداء والآراء والأضواء يظلم نفسه بحجّة إنصافها، أو بحجّة حاجته إلى الإنصاف وحقّه فيه!،..

 

ـ في كل فنّان حقيقي جينات من "أورفيوس"، وقَدَر كل فنان حقيقي هو قَدَر أورفيوس، الكائن الأسطوري وحكايته الأسطوريّة: تزوّج حبيبته، لكن أفعى قتلتها، فكتب الشعر الذي طاب لحرّاس الموت، فرقّت قلوبهم له، وقرروا إعادتها إلى الحياة، بشرط: أن يمشي أمامها دون أن يلتفت إليها!، حتّى يصلا نور الصباحات معًا، قَبِل أورفيوس الشرط، وأطاع، لكنه حين مسّ نور الصبح وجهه، وقبل أن يمسّ وجه محبوبته "يوريديتشي" لأنها خلفه، تخالط عنده الشوق بالسعادة، فالتفتّ إليها، وما إن التفتَ حتى تلاشت، أخذتها العتمة ولم تُرجعها إليه، لم ولن!.