|


وحيد بغدادي
الماء.. وبحيرة اللبن!!
2017-03-20

 

يحكى (في قديم الزمان) أن والياً خشي على قريته الطيبة من الجوع والفقر، فقد يصيبهم القحط بسبب قلة الموارد.. فقرر أن يتخذ قراراً يتجاوز به هذه الأزمة.. وأصدر أمراً صارماً، خلاصته أنه يجب على كل فرد من أهل القرية أن يضع كوباً من اللبن (الحليب) في بركة كبيرة جداً بالقرية، على أن يصبح لديهم بحيرة من اللبن، تسقي الجائع والظمآن وتسد حاجة أهل القرية.. وأمر الوالي الأهالي بالدعم والتبرع في ساحة القرية، على أن يضع كل فرد ذلك الكوب سراً، دون أن يراه أحد، وأن يكون ليلاً وفي ليالٍ غير مقمرة.. وبدأ الناس بالفعل في ذلك اليوم بوضع اللبن في البركة الكبيرة، وكل منهم حريص على ألا يراه أحد؛ حفاظاً على سرية الأمر.. 

 

وهكذا مضت الأيام والليالي، وبعد أن أمتلأ المكان المخصص، تم إخبار الوالي بالأمر.. فانطلق بحشده الكبير ووزرائه لساحة القرية.. وحشد الناس لذلك اليوم العظيم؛ ليشاهدوا ما يتمتع به أهل القرية من كرم وصدق وأمانة، وعندما وصلوا للموقع.. أمر الحاجب بإزالة غطاء البركة أمام الناس.. وفعلاً تم كشف البركة التي أصبحت بحيرة كبيرة.. ولكن كانت المفاجأة!! والصاعقة العظيمة.. عندما وجدوها بحيرة ممتلئة بالماء.. والماء فقط.. وصعق الناس وأذهلهم الأمر.. وحينها تبسم الوالي ونظر إلى أهل قريته وقال: "سبحان الله ماء فقط!! ولم يضع أحد شيئاً من اللبن".. ثم نظر إليهم وقال: "أخبروني بأمركم وأصدقوني القول.. فوالله ما كان ذلك إلا امتحاناً لكم ولسنا مقبلين على قحط ولا جوع، لكنه اختبار لمعرفة حرصكم على قريتكم وتحسبكم على مصيركم".. فنكسوا رؤوسهم حياءً وخجلاً.. وقال كل واحد منهم: "إنه كان يأخذ الماء بدل اللبن، وهو يظن أن جميع أهل القرية سيضعون لبناً وأن كوبه من الماء سيضيع بين اللبن، ولن يعرف أحد بأمره، وهكذا تبين أن كل أهل القرية كانوا يفكرون بعقل واحد، ويظنون ظن الرجل الواحد، ويضعون الماء بدل اللبن وهم يظنون أن الباقين يضعون لبناً صافياً.. فضحك الوالي ولقنهم درساً كبيراً لا ينسونه.. قائلاً لهم: "لو كان أمر القحط والجوع صحيحاً، لكنتم الآن وأولادكم تـقاسون أهوال الموت والتشرد نتيجة حرصكم الشديد على الدنيا، والاتكال على بعضكم بعضاً.. فكل منكم يريد الإصلاح من دون أن يكون له يد مشاركة أو يد معاونة، وظن كل منكم أن غيره سيضع اللبن، وأن عدم مشاركته لن تضرهم شيئاً.. فكل منكم أحسن الظن بغيره وأساء الظن بنفسه؛ فكانت المهلكة.

 

هذه القصة لا تختلف كثيراً عما يحدث في نادي الاتحاد، حيث تراكمت الديون وبات النادي مهدداً أمام تقاعس وتباعد أعضاء الشرف وتعاقب الإدارات، وبدأت الآن كتابة رواية جديدة فصولها تبادل وإلقاء التهم.. وسببها التفكير بعقل واحد مصير نتائجه الفشل.. وبات الجميع يملؤون الأكواب ماءً.. وبالأمس صرح الأمير عبدالله بن مساعد رئيس هيئة الرياضة السعودية بأن: "ديون نادي الاتحاد كبيرة جداً، وأن ما يحدث فيه إما سوء إدارة أو فساد".. الجميع يتحمل المسؤولية، والكل شركاء في هذه الكارثة.. ولماذا لم يتم الإعلان رسمياً عن المتسببين؟! هل ننتظر أن يتم تهبيط العميد لمصاف أندية الدرجة الأولى، بعد أن يثقل بالديون ليتم تخصيصه وبيعه "بثمن بخس دراهم معدودة".. أم ماذا ننتظر؟!! أرجوكم املؤوا الأكواب لبناً.. وأنقذوا الاتحاد.