|


فهد عافت
إشكاليّة الشّكل!
2017-06-04

- أظن أنه من مشاكلنا مع النقد الفنّي، أننا نسقطه أول ما نسقطه على الشعر!، وأحيانًا كثيرة لا نكاد نُسقطه على غير الشعر،...

 

- نفعل ذلك لأسباب عديدة، منها أن الشعر هو أعلى ما في تراثنا الأدبي شأنًا، وهو الأكثر غزارة، ثم إنه الأقرب إلى الذاكرة، بحكم إيقاعاته، ولأنه مليء بالحِكَمِ والطرائف والمفارقات التي نحتاج إليها في حياتنا اليومية؛ ولذلك فإن الذاكرة تحتفظ منه بالكثير،.. 

 

- الشعر أيضًا هو الفن الوحيد الذي يمكن استحضاره كاملًا، عبر الذاكرة أو البحث الهَيِّن في كتاب أو جهاز!، هذا فضلًا عن كوننا نملك، أو نحس بأننا نملك، دراية كافية فيه، وهذه النقطة الأخيرة تكاد تشكل عائقًا كبيرًا في مسألتي فهم النقد وفهم الشعر معًا!،..

 

- ذلك لأنها من ناحية تصيبنا بشيء من الغطرسة؛ فلا نبحث في نقد الشعر إلا على ما يؤكد سلامة نظرتنا السابقة له!، وهذه نظرة متحزِّبة ومتعصّبة لحزبها، تشبه في حالاتها الميؤوس منها، تلك المناقشات والمداخلات في "تويتر"، والتي لا يبحث أصحابها عن فهم أو استيعاب أو رؤية جديدة، إنما يبحثون عن آراء مؤيِّدة، وأصوات مُهَدْهِدَة!،..

 

- من ناحية أخرى، كثير من نظريّات النقد ومذاهبه، تفيد في فهم الشعر، لكنها أساسًا لا تستقر في الذهن كمعيار، وخبرة وحكمة، وأداة، استقرارًا صالحًا، إلا حين نختبرها أولًا في مجالات فنيّة أخرى غير الشعر، كالرسم أو النحت أو المسرح؛ ربما لأنها من الأصل نتجت عن طريق تتبّع وتأمّل هذه الفنون تحديدًا!.

 

- يتحدث النقد كثيرًا عن "الشكل" الفنّي، يكاد يكون هناك إجماع على أن "الشكل" الفني هو ذاته المضمون، أو على الأقل لا يمكن عزله عنه، لكننا حين نقرأ كلمة "الشكل"، نذهب بسرعة إلى الشعر، فنظن أن المقصود هو "شكل" القصيدة، وما إذا كان الشعر عموديًّا أو حرًّا أو نثرًا، وفي هذا شيء من الصحّة، غير أن "الشكل" كمصطلح فنّي أعمق من هذه الأمور بكثير، 

 

- ولأننا نظن أننا نمتلك خبرات سابقة كافية في الشعر، فإننا نظن أيضًا بامتلاك خبرات أصيلة في قراءته، فنكتفي بما لدينا، وعندها لا تتجاوز مسألة "الشكل" أبسط عقباتها؛ الأمر الذي غالبًا ما يُثمر صراعات إعلاميّة فارغة ومتهافِتة بين أنصار العمودي والحر والنثر!،..

 

- في حين لو أننا تدبّرنا مسألة "الشكل" في العمل الفنّي، من خلال قراءات نقديّة في فنون الرسم والنحت والمسرح أولًا؛ لأنصفنا أنفسنا، والقرّاء، والفن، والنظريّة!.