|


سعد المهدي
الطريق قد لا يبدأ من الصفر.. زيدان أنموذجًا
2017-06-06

الخبرة والتجربة ليس لهما سنوات محسوبة ومحددة، كما أن متطلباتهما تختلف من مهنة لأخرى، كذلك تدخل في بعضها اعتبارات معينة؛ ولذلك كان عالم التدريب في مجالات الألعاب الرياضية مسرحًا كبيرًا، شهد الكثير من تجارب النجاح والفشل، الذي كان للخبرة والتجربة نصيب كبير في نسب إحدى الحالتين إليهما، إلا أن الحقيقة ليست كذلك دائمًا.

 

الأسطورتان الكرويتان عالميًّا، الأرجنتيني دييجو مارادونا والفرنسي زين الدين زيدان، يمثلان تجربة النجاح والفشل بكل امتياز؛ فهما تشربا كرة القدم وعاشا تجربة طويلة في عالمها، وبرعا في أن يكونا نجمين أسطوريين بكل ما تعنيه الكلمة من معنى مجازي، ولا أظن في العالم من يمكن له أن يختلف على أنهما أيقونتان للموهبة والعطاء والإنجاز والنجومية "الكريزمائية"، ولكن لماذا الفشل؟ وكيف تحقق النجاح؟

من الطبيعي أن تكون نصيحة "مزيد من الوقت لتتعلم أكثر، ولكسب مزيد من الخبرات"، واحدة من القواعد الذهبية التي يتم إهداؤها لكل طالبي النجاح والتفوق، لكنها في مجال مثل التدريب أمر نسبي، وأتحدث هنا عن مهمة المدير الفني تحديدًا؛ ففي هذا المنصب يمكن اختصار الزمن كثيرًا وتحقيق النجاح، كذلك فعل ـ مثلاً ـ زين الدين زيدان وآخرين على شاكلته، وآخرين قد لا ينفع معهم الوقت حتى إن طال مثل دييجو مارادونا كنموذج للفشل لا تخطئه العين.

 

المدير الفني الذي يصنعه الزمن أو دورات التدريب يختلف عمن تحضره إلى عالم التدريب نجوميته وشخصيته وثقافته الكروية وموهبته الفطرية، التي تدله على معرفة أسرار وتفاصيل لعبة كرة القدم، والقدر الذي يحمله اللاعب من الموهبة والمهارة والفهم التكتيكي، الأول يحوله طول الزمن إلى موظف يؤدي مهمة يلتف حوله أفراد يوعز لهم بتقديم خدمات جيدة للمستفيدين منها، أما الثاني فهو ملهم ونموذج نجاح وصانع فرح ينساق الجميع في ركابه لا إراديًّا، في غناء جماعي مدوزن النغم مبهج النشيد.

 

دون شك أن تركيبة مارادونا النفسية وعالمه الخاص بعد اعتزال الكرة، أحدثا حالة فصل تام بينه وما استقاه خلال حياته الكروية، لكن ذلك ليس وحده من ساهم في عجزه عن أن يكون مدربًا ناجحًا، بل عوامل أخرى قد يكون من بينها طغيان النجومية والشهرة على عقله الباطني الطافح بالمجد، الذي ألغى لديه رغبة فهم ما يدور حوله والمثاقفة مع عالمه، إلى أن جاءته فرصة التدريب كشيء من التكريم، رضي أن يكون فيه النجم مارادونا وألا يقدم للتدريب شيئًا إلا ذلك، وهذا لا يمكن أن يجعله ينجح. 

 

نجاح زيدان في أن يكون مدربًا لأكبر أندية العالم، ويحقق معه البطولات، ويكسر الأرقام، على الرغم من تجربته التدريبية القصيرة، أسقطت أكذوبة "الخبرة"، وأنها القاعدة الصلبة التي لا يمكن الاتكاء على غيرها، وأكد أن الرغبة والإدراك الفني والشخصية والنجومية حين تخلط في وعاء الثقافة الكروية، يمكن لها أن تصنع من النجم الكروي مدربًا، إذا وجد من يحمي هذا المشروع ويباركه، لكم أن تتصوروا لو صدق زيدان نصيحة التدرج، وبدأ حياته التدريبية مع أحد أندية الدرجة الثانية أو الثالثة؛ فكم يا ترى يحتاج من سنوات أو عقود حتى يمكن أن نراه يحمل كأس الأبطال أو "الليقا"، هذا إن صمد حتى يصل؟!