|


صالح الخليف
الرجل العباسي ونظارة عزيزة
2017-07-24

هل تعجبك أفلام الخيال العلمي؟!..

 

هل تفضل متابعة مسلسلاً تاريخياً يحكي قصة رجل يعيش حياة بسيطة وهادئة في الدولة العباسية..؟ إذا كانت إجابتك بنعم.. فتعال معي ندمج التاريخ ونعبث بالسيناريو ونلهو بالأمس واليوم والغد.. وما الحياة الدنيا يا صاحبي إلا لعب ولهو..

 

لنجعل هذا الرجل القادم من دولة بني العباس يحط رحاله في دبي مول ونطلق ساقيه للريح يتجول ويهرول ويسعى بين صالة التزلج والنافورة وركن الأزياء والماركات وأدوار السينما.. نتركه حراً بلا قيود يترقب وجوه الناس والمارة.. يترقب الكبار والصغار رجالاً ونساء.. فما أكثر شيء سيستوقفه ويثير فضوله واستغرابه..؟

 

سيعجبه الرخام الإسباني والإيطالي غالي الأثمان الذي يكسو الأرضيات والممرات وحتى دورات المياه.. لكنه سيتذكر أنه رأى شيئاً يشبه ذلك في قصر الخلد الذي بناه أبوجعفر المنصور في الجهة الغربية من بغداد مطلاً على نهر دجلة.. كان هذا القصر أحد أشهر أوجه التطور العمراني في دولة العباسيين.. ستعجبه النافورة ثم يتذكر سريعاً أن باحة القصر الهاروني المملوك للخليفة الواثق في مدينة سامراء كان يحوي على نافورة أيضاً.. ستبهره المحلات الفخمة الواسعة الشرحة لولا أن ذاكرته تعيده فوراً إلى سوق الغزل البغدادي الذي شيد بقرار من الخليفة المستنصر بالله.. هي محلات تتشابه.. تختلف شكلاً ومضموناً وتاريخاً فقط..!!

 

يطالع الثريات تتدلى من السوق الإماراتي الشهير فتعجبه هي الأخرى، لكن سرعان ما يستذكر قناديل استخدمها وزينها العباسيون للضوء واجتذاب النور.. الملابس تغيرت وربما لا تعجبه لأنها تعتمد على الذائقة والعرف الاجتماعي السائد.. كل ما يعجبك والبس ما يعجب الناس.. شيء وحيد فقط أثار انتباهه، وصار الرجل العباسي يسأل عنه باهتمام وحرص.. يسأل الزوار والمتسوقين والجالسين والواقفين لا عن عاداتهم وأكلاتهم وطبائعهم.. يسألهم عن نظاراتهم.. يسأل عن قطعة الزجاج التي يضعونها على وجوههم.. لم يرَ في بغداد وضواحيها من قبل أحداً يترك شيئاً مثل هذا على عينيه..

 

عاد الرجل إلى بغداد وسألوه ماذا رأيت على بعد ألف وخمسمائة عام.. قال لهم.. لم يتغير شيء سوى أن الناس صارت تضع الزجاج على وجوهها..!

 

انتهى الفيلم.. بعد أن أثار السؤال الكبير عن النظارات وحكايتها المثيرة في حياة وصحة البشر.. يطلقون على المفكر والمكتشف العربي الكبير ابن الهيثم لقب أبوالبصريات، لأنه أول رجل في التاريخ يضع أسساً علمية وحقيقية لهذه النظارات التي ترتديها أنت وأنا وغيرنا الملايين حول العالم، وذلك عام 1021، فله منا جزيل الشكر والتقدير والامتنان.. نتنازل عن أي شيء إلا نظاراتنا هذه.. ثم التقط الطليان الفكرة وطوروها عقب أن ترجموا أفكار ابن الهيثم، ودخلت النظارات الحياة في مطلع القرن الثاني عشر، وفي إيطاليا وبالتحديد عام 1286 تم صناعة أول نظارة دون معرفة الرجل الحقيقي الذي فعل هذا.. على الطرف الآخر من الكرة الأرضية في الصين والهند هناك ادعاءات ليس لها أصل أو توثيق تقول إن النظارة الأولى ولدت هناك.. وفي عام 1971 أكدت مجلة طب العيون البريطانية، أن فكرة العدسات وصلت إلى أوروبا عن طريق العرب.. وذات المجلة أكدت بالأدلة أن إيطاليا هي من صنعت أول نظارة.. وفي ثلاثينات القرن الماضي بدأت النظارات تغزو العالم وتغزو الوجوه.. كان ارتداؤها في البداية أمراً مثيراً للحرج في كثير من الدول.. كانت النظارة دليلاً على الشيخوخة والتقدم في السن وفقدان قوة البصر.. 

 

في منتصف السبعينات ظهرت المغربية عزيزة جلال بنظارتها العريضة.. لم تكن النظارة الكبيرة متوائمة مع وجهها البريء وملامحها الهادئة.. أظنها كانت أكثر من قدم دعاية مجانية لارتداء النظارة.. بعد عزيزة جلال لم يعد ينظر للنظارة كما كانت.. مع عزيزة جلال صارت النظارة أكثر قبولاً وأكثر شيوعاً وأكثر انتشاراً.. مشاهير كثر حول العالم وفي كافة المجالات اشتهروا بنظاراتهم.. كثيرون يعتقدون أن النظارة مرتبطة بالدهاء والفطنة والثقافة والعلم والنبوغ.. ربما شاع هذا المفهوم سابقاً كون اغلب الأطباء كانوا يرتدون النظارات.. تتغير الأشياء والأفكار.. الرجل العباسي لم يشاهد عزيزة جلال.. عاد قبل أن يسمعها تغني "مستنياك بشوق كل العشاق".. ربما لو شاهدها لقال للعباسيين في بغداد بعد رحلة العودة الخيالية.. وجدت امرأة تغني صوتها جميل جداً لكنها اعتزلت..!!