بصوته الطربي الهادي، غنى اللبناني عازار حبيب "صيدلي يا صيدلي يا صيدلي.. بدي دوا إلها وبدي دوا إلي".. غناها في مطلع الثمانينيات، وعلى نهجه ومنهاجه وطريقه وطريقته مشى بنو العرب.

وما زالوا وأظنهم سيظلون حتى يرث الله الأرض ومن عليها، أو يصبح ما تقوله الدراسة الألمانية أمرًا مقضيًّا.. فالناس في مضارب بني العرب تتعامل مع الصيدلية بطريقة الحراج والسوبر ماركت والسوق المفتوح.. صارت صيدلياتنا أمد الله بقاءها وأطال الله عمرها تضع عربات تسوق عند مداخلها، كما تفعل محلات التجزئة الضخمة.. عندما تريد الذهاب إلى الصيدلية لا تحتاج إلى زيارة الطبيب ثم تضع الوصفة والروشتة في جيبك، ثم تذهب إلى الصيدلي وتسأله الدواء ثم تسأل الله الشفاء.. الطبيب والروشتة مضيعة للوقت والمال.. نحن نختصر الطريق ونسابق الزمن ونذهب مباشرة للصيدلية؛ فليس بيننا وسيط أو وساطة.. نترك الأخوة الأطباء ومستشفياتهم وفحوصاتهم للشديد القوي.. يقال إن الحضارة الهندية سباقة في علم الصيدلة؛ فأول صيدلية عرفتها البشرية كانت في القرن السادس قبل الميلاد، عن طريق الطبيب الهندي شوشروتا.. يقال أيضًا إن الحضارة السومرية احتوت على ألواح مكتوب عليها وصفات علاجية، ترجمت على أنها توازي ما يحدث الآن بين الطبيب والصيدلي، وذلك بين الألفية السادسة والألفية الثانية قبل الميلاد.. هناك كتاب طبي ضخم يحمل اسم "داماتيريا ميديكا"، وتم تأليفه باللاتينية بناء على وصفات مجموعة من علماء الشرق الأوسط في العصر الإسلامي الذهبي، على أكثر من ستمئة نبتة ومجموعة من الحيوانات والمعادن.. واستخدم هذا الكتاب الثمين كأساس وانطلاقة لكتب ومراجع فيما بعد.. الصينيون واليابانيون وعلماء من اليونان اقتحموا علم الصيدلة.. يقال إن بغداد احتضنت أول صيدلية عام 745.. أعتقد أنها أول صيدلية في تاريخ العرب.. كتاب الصيدلة للبيروني أشهر المؤلفات في هذا المجال.. الرازي أقحم الكيمياء في الأدوية.. كانت خطوة مهمة ونقلة كبيرة.. الرازي والبيروني عالمان إسلاميان من بلاد فارس.. الصيدلي الأمريكي جون بمبرتون مخترع الكوكاكولا أشهر مشروب طوال المئتي عام الماضية في ذائقة البشرية، هو في الأساس صيدلي واكتشف خلطة الكولا بالصدفة.. الذين يدمنون البيبسي والكولا مدينون لهذا الصيدلي العملاق الذي توفي عام 1888 قبل بلوغه الستين بقليل.. دواء جليبرا الذي يستخدم للعلاجات الجينية، هو أغلى دواء في العالم وتبلغ تكلفته أكثر من مليون دولار، ولم يشتره سوى شخص واحد حتى عام 2016.. 

الصيدليات لدينا منتشرة كما هي البقالات والمغاسل ومطاعم البخاري.. في أوروبا وأمريكا لا تسقط عينك على الصيدلية بسهولة.. دراسة ألمانية جديدة خلصت مؤخراً إلى أن الصيدليات في طريقها للانقراض بفعل تفاعل الناس مع التقنية الحديثة.. تقول الدراسة إن 25% من إجمالي مبيعات الصيدليات تحول إلى الإنترنت، وفي ألمانيا وحدها اضطرت أكثر من 1700 صيدلية إلى إغلاق أبوابها.. هنا في السعودية تملك إحدى المجموعات المتخصصة في مجال الصيدليات أكثر من ألف صيدلية منتشرة على كامل خريطة المملكة.. رقم مهول لكن لن تستغرب إذا تجولت في أي شارع من مصداقية وصحة المعلومة.. من الطبيعي أن تسكن وبجوارك في ذات الحي ونفس الحارات محل سباكة وكهرباء ومحل عطارة ومحل لبيع الأواني المنزلية.. وأيضًا صيدلية..

لم تصمد أغنية يا صيدلي كثيراً بسبب تغير مزاج الناس.. لكن الصيدليات لن تمشي على مزاج الدراسة الألمانية.. ستنتصر على التقنية وعلى الإنترنت، والدليل الصيدلية التي في آخر الشارع..!!