|


صالح الخليف
كيف حدث هذا؟
2017-08-13

برحيله وفقدانه وموته انتهى فعليًّا وعمليًّا وعلى أرض الواقع عصر الممثلين المبدعين بالفطرة.. غاب عبدالحسين عبدالرضا واكتوت القلوب الكثيرة التي أضحكها سنوات مديدة بالحزن والأسى والشجن والابتئاس.. هي ذات القلوب الضاحكة ارتوت بالبكاء.. هناك نقطتان نتوقف عندهما كلما رحل ملهم في مجاله.. هناك نقاط كثيرة يتصارع في ملعبها أصحاب العقول الخاوية على عروشها.. أما النقطتان اللتان تستوقفاني وتستوقفان غيري، فأولهما أن الإبداع والابتكار والاتقان لا تورث كما هي الصقور والعقارات والسيارات والأبراج ناطحات السحاب وأرقام الحسابات المكتظة بالأرقام المليونية.. المهارة هبة من الله ـ عز وجل ـ لا تملكها ولا تستطيع تركها لأولادك وأبنائك ينعمون بمخلفاتها.. اشتهر عبدالحسين عبدالرضا بين محبيه ومعجبيه بـ"أبو عدنان"، لكن عدنان هذا يبدو مجهول الملامح غامض التشابيه.. لا تكاد صوره تظهر إلا نزرًا.. أساسًا ليس له في صنعة والده العملاق ناقة أو جمل.. 

 

عدنان هذا ما هو إلا دليل صغير ونقطة هائمة على سطح المحيط، تؤكد مجددًا أن المبدع إذا تنحى عن المشهد لأي سبب فليس هناك من يعوض هذا الاحتجاب بين أقربائه وأبنائه وعشيرته الأقربين.. قلة قليلة للغاية سارت على خطى آبائهم الأولين.. ولم ينجحوا.. هذا ابن عادل إمام وهذا ابن أحمد زكي.. صحيح أنهم يمثلون ويظهرون.. لكنهم للأمانة والحق يقال ابتلوا الشغلة وابتلوا المشاهد وابتلوا المخرج اللي عاوز كده..!!..

 

حينما يموت أحد صانعي الروعة نتيقن مرة أخرى أن الإبداع الذي يولد من رحم المعاناة كما يقول الغلابة والمغلوب على أمرهم، لا يمكن أن يولد من الآباء والأمهات.. شيء آخر تركه رحيل عبدالحسين.. ترك ـ رحمه الله وتغمده بواسع رحمته وغفرانه ـ التأكيد على الفراغ الكبير لأدب السيرة الذاتية في عالمنا العربي.. التعرف على إرث ممثل كوميدي عظيم مثله لا يمكن الوصول إليه إلا عبر حوارات تلفزيونية أجراها الراحل أو شهادة الأصدقاء والزملاء والمعارف.. في العالم الغربي المتحضر يترك المبدعون حصاد إنجازاتهم في مؤلف تتناقله الأجيال.. الكتب لا تشيخ ولا تموت.. تبقى باسقة على الرفوف شاهدة على العصر والزمن الذي لم نعرفه، ولم نتمنَّ العيش فيه.. كانت هناك أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات طويلة، يمكن أن تكون في متناول اليد الآن وبعد مئة عام لو تفرغ عبدالحسين عبدالرضا في السنوات الخمس الأخيرة لكتابة مذكراته وحكاياته وقصة كفاحه ونجاحه.. كم من مبدع عربي وخليجي توقف عن مواصلة السير في متاهات الحياة يتوق من تعايشوا مع إبداعاته في كافة المجالات إلى معرفة أشياء وأشياء عن حياته الشخصية والعملية..

 

أدب السيرة العربية مصاب بفقر الدم والحياء والتواصل والظهور.. أحيانًا يهاب المبدع كتابة تجربته مهما بلغ انعكاسها على نفسه وعلى عائلته وعلى مجتمعه ووطنه.. أيها العمالقة.. أيها المبدعون.. أيها المميزون.. لن يرث أحد من أبنائكم موهبتكم مهما حاولتم.. لكن الناس أجمعين ستقف عند قصة ورواية بذلكم وتعبكم وجهدكم ومعاناتكم سنوات تمتد بامتداد البشرية وبقائها.. نحتاج منكم فقط أن تقولوا كيف أصبحتم أعلامًا تتقد فوق رأسها نيران لا تنطفئ؟!..

 

قولوا كيف حدث هذا.. قولوا وسنقول لكم.. شكرًا لكم أمس واليوم وغدًا..!!