|


فهد علي
أحيوا مدنكم.. يرحمكم الله
2017-10-10

 

 

 

في مدينة "بورتلاند" الأمريكية بسكانها النصف مليون، يسير عبر جسدها أكثر من مئة باص، وتجول بها "أربعة قطارات"، وكل من الباصات والقطارات يمضون بجهات مختلفة، ويتوقفون مراراً بمحطات عديدة. 

 

هذه الصورة الحركية أعطت المدينة صفة الحياة، بكل ما تعنيه كلمة الحياة من نبض وحركة ونشاط، بعد دراستي بها لعامين، عرفت أن موت المدن يعني خلوّها من المواصلات العامة، وآمنت بتلك الفكرة مثلما أؤمن أن موت الجسد هو بخروج الروح منه. 

 

وها أنا أحلم أن "دخان الشيشة" المتصاعد من فم أحد الشباب في مقهى من مقاهي الرياض ينجلي ويتحوّل إلى سكّة حديد يعتليها قطار يمضي به وبغيره نحو الحركة والضوء. 

 

وعلينا في البدء العودة مليون خطوة إلى الوراء للاعتراف بصدق أن مدننا أصيبت بتعطّل في شريانها، وأفكار رائعة مثل إقامة المهرجانات الغنائية تحمل صفة دعائية نحو تغيير هوية المدينة أكثر من تحوّلها فعلياً. 

 

فجراح المدن العديدة تُشفى عبر غرز سكك الحديد، وبإنشاء مساحات مخصصة يتم فيها إقامة مهرجانات أو مساحة يمارس الناس رياضات يختاروها وينظموها بأنفسهم، ومن إحدى فضائل تلك التجمعات، هو ضمان التحرر من المفهوم القبلي أو الطبقي الذي يحاصرنا، ويبدأ من خلالها يتفهم المتعصب أن هنالك كائنات لطيفة تشاركه العيش بمدينته رغم أنها لا تنتمي لنفس قبيلته أو طبقته.

 

 نأمل جمعياً في "مترو الرياض" كبداية تصحيحية تدير عجلة العاصمة نحو التنمية، مع علمنا بشدّة صعوبة إنعاش المدن في ظل المحافظة على الهوية الشرقية وعدم اقتباس التجربة الغربية بهيكل مبانيها وصخبها ونمط حياتها. 

 

لكن أظن المسؤولين يعرفون أنه بات حتمياً صنع حياة حركية، وإلا ذلك يعني استيراد كمّية ضخمة من "المعسّل" للأجيال القادمة، لتستنفدها بالجلسات المسائية الرتيبة.