|


فهد عافت
صورة ومقطع فيديو!
2017-10-14

 

 

 

ـ يشتكي الشعراء من كثرة الشعراء!، أظن أن هذه الشكوى بدأت بعد أقل من ثلاثة أيام على ظهور أول شاعر!، قديمة بشكل يدعو للتندّر منها، كذلك يفعل أهل الرسم والغناء وكُتّاب القصّة والرّواية!،..

 

ـ لكن حين يظهر أهل التصوير الفوتوغرافي، وحتى حين لا يظهرون، يكفي تذكّرهم، ليتأكّد لنا أنّ أي مقارنة بين شكواهم وشكوى غيرهم من الكثرة المُرْبِكَة، لن تكون أقل من غيرهم من أهل الفنون الأخرى، إذْ لا مجال فنّيًّا اقتحم الناس واقتحموه كما هي الحال مع التصوير!.

 

ـ حتى السينما، ابنة التصوير، وَرِثَتْهُ في حياته!، وبدا من الأساس أنها في غير حاجة إلى اعترافه بها شرعيًّا!، صارت السينما فنًّا، بركائز وقواعد صلبة، أحيتها العِبْرة، ولم تخنقها العَبْرَة!، فقد رأت كارثة التصوير بعينها: ما إن تمكّن التصوير الفوتوغرافي من إعلان نفسه فنًّا، وفي اللحظة التي أثبت فيها ذلك بأدلّة فنيّة: حتى تهاوى!، وتفرّق دمه بين القبائل، صار كل شخص كبير أو صغير، موهوب أو غير موهوب، قاصد أو غير قاصد، مصوّرًا، ربما ليس فوتوغرافيًّا بالمعنى الحرفي للكلمة، لكن كل إنسان صار ليس في مقدوره فقط أن يكون مُصَوِّرًا، بل لم يعد في مقدوره إلّا أن يكون كذلك!.

 

ـ سنوات طويلة والتصوير يحاول أن يكون فنًّا، وما إن وضع نقطة آخر السطر ليبدأ فصلاً جديدًا، كتب جملة أو جملتين قصيرتين، ثم وجد نفسه يضع نقطة جديدة، ليبدأ على غير رغبةٍ منه، راجعًا لتتمّة الفصول السابقة، فصول البحث عن هويّة من جديد!.

 

ـ حين يصوّر أحدنا مقطع فيديو، فإنه في الغالب لا يتصرّف كسينمائي، ما لم يكن سينمائيًّا حقًّا، هاويًا أو محترفًا، نفعل ذلك كثيرًا، دون أدنى شعور بالحرج لغياب لزومات فنيّة، لا نهتم عند تصوير مشهد فيديو بالإضاءة، ولا بالكادر، بل إن الإضاءة وطبيعة المناسَبَة وقُرب آلة التصوير بالصُّدفة، وجاهزيّتها لأغراض أخرى غير محددة، كأن يكون الجّوال مشحونًا بشكل كافٍ؛ لأنه يجب أن يكون كذلك دون هدف محدد، أقول ربما كانت كل تلك الأشياء هي السبب في تصوير مقطع فيديو صغير، وليس العكس!،.

 

ـ بينما في الصورة الفوتوغرافية، نهتمّ بشكل أوضح بأمور مثل الإضاءة والزاوية والكادر، نقترب ونبتعد ونعلو ونجلس على الأرض أحيانًا، ونحسب جماليات الضوء والظل، لالتقاط صورة!، ومن هنا فإنه ليس عبثيًّا كثيرًا، حِسْبَة أنفسنا من أهل فن التصوير!، غياب العبثيّة هو العبثيّة ذاتها في تاريخ هذا الفن، في أصله كعِلْم، وفي فصله كحُلْم!،.

 

ـ والغريب، أو على الأقل فإن هذا رأيي، أن المسألة ليست مسألة ضرر، لكنها مسألة قَدَر!، والفرق شاسع: لو كان ضررًا لأمكن رفعه أو على الأقل رفضه، لكنه قَدَر والقَدَر لا يمكن إلّا التعامل معه ومن خلاله!.

 

ـ لكن لماذا حين نلتقط صورة فوتوغرافية، نكون حريصين وأكثر استعدادًا وحذرًا، وأوضح رغبة في الخروج بنتيجة مُرْضِيَة، مِنّا حين نسجّل مشهد فيديو؟!،.

 

ـ أجيب بما أظنّه: في مشهد الفيديو، يكون لدينا شعور بأننا لسنا أبطال العمل!، لسنا المسؤولين عن إثبات أهميّته وجدارته بالبقاء، طبيعة الحياة، والظّرف، وكل من وما يتحرّك في المقطع، مسؤول معنا، بل وأكثر منّا بكثير، عن إكساب المقطع جدارة وأهميّة وفاعليّة وقوّة تأثير وجودة ونجاحًا!، نحس أننا فقط نسجّل لحظة انتصار الآخر أو هزيمته أو فرحه أو سعادته، أو أي شيء آخر لكن له ومنه!، لسنا أكثر من ناقلين، وبالكاد نصلح مساعدين له، سكرتاريا مجّانية تحفظ وتؤرشِف!،.

 

ـ هذه المشاعر لا يمكن لها أن تحضر حين يتعلّق الأمر بالتقاط صورة؛ ذلك لأن شعورًا خفيًّا، وهو صادق على أي حال، يصيبنا، شعور بأن كل ما في الصورة رمى بمسؤوليّة كل شيء علينا، نحن الذين اخترنا لحظة الضغط على الزر، وندري أن كل شيء سيجمد بعدها، هذه الدراية، تملؤنا بإحساس أنّ كل شيء خضع لأمرنا في تلك اللحظة، أنّ الضوء والظل، والشخوص، والزوايا، والخلفيّات، كل شيء، وضع نفسه تحت تصرّفنا، وأطاعنا، وكان قادرًا ومريدًا لتلبيّة رغباتنا، فيما لو رغبنا فيها أو في نقيضاتها!، نحسّ أنّ كل شيء سَلَّم لنا نفسه، مادةً خامًا، وترك لنا حريّة تشكيله كما نريد، حريّة أن نقول من خلاله ما نريد، نحن أبطال العمل وليس من فيه!، وأننا من خلال الصورة الثابتة، نقدّم أنفسنا وذواتنا، نُقدِّم رؤيتنا للحياة، ولا نقدّم الحياة كما هي الحال في تصوير مقطع فيديو!.

 

ـ مسكين أنت يا فنّان التصوير الفوتوغرافي، قاسمناك زادك، لم يكن لنا فيه حق، ولم نكن جوعى أصلاً!.