|


فهد عافت
الدعشنة والدهشنة في القراءة
2017-10-15

 

 

 

ـ القراءة خليط عجيب، وربما مريب، من حياة شقيّة وموت لذيذ!، من مخاطِر آمِنَة، ومن أَمن خَطِر طول الوقت!،.

 

ـ وما إن ينحاز قارئ إلى أحد الأمرين، حتى تفقد القراءة قدرتها على الكتابة!، كتابة القارئ وكتابة الكون من حوله ومن خلاله وفيه ومعه وبه وله!،.

 

ـ وهذه حال كثير من الناس، أولئك الذين يقرؤون في معزل عن الخطر، قرّاء اليقين والطمأنينة، الذين يبحثون دائمًا عمّا يؤكد صحّة مُسلّمَاتِهم، ينتهي بهم الأمر إلى تصلّب في الرأي، يسمّونه صَلابَةً!، وشيئًا فشيئًا يصيرون أكثر ديكتاتوريّةً من أوحش ديكتاتور!،.

 

ـ يحدث هذا على الرغم من حقيقة أنهم دخلوا القراءة أصلاً؛ لأنها متعة ومعرفة وحريّة!، وهم لا يتهمونها أبدًا بالانقلاب على مثّلثها هذا، لكن الآخَر، حين ينظر إليهم من على بُعْد مسافة تأمّل مناسبة، يجدهم وقد انقلبوا هم أنفسهم على المثلّث، وأنّ أيًّا منهم لم يعد ممتعًا ولا مستمتعًا، بل على العكس، مشدود ومتوتِّر، في محاولات مستميتة للدفاع عن قناعاته، بنفي وتحقير كل ما عداها من قناعات، فلا حريّة إلا له، وهو عبد خطوط عريضة كأنها نافذة سجن أو حديد باب زنزانة!،.

 

ـ الحريّة نفسها تُحبس في تعريفه الضيّق لها!،.

 

ـ ويلتبس الأمر عليه، فلا يعود قادرًا على التفريق بين أن تكون هناك معرفة جديدة وأن تكون هناك معرفة أُخرى!،.

 

ـ فالمعرفة الجديدة عنده هي المسموح بها، بشرط أن تكون مؤازِرَة ومؤكِّدة وداعمة لمعرفة قديمة، وأن تكون مُستَمَدّة من هذا القديم الذي يصبح كلمة الفصل النهائية، هذه هي ما يسميها المعارف الجديدة، وهو في هذه التسمية ليس مخطئًا تمامًا، إذْ يحدث كثيرًا أن تنجح معارف جديدة في دعم معرفة قديمة، الخطأ الفادح، الخطيئة، في رفضه لأن تكون أي معرفة مُغايِرَة أو مناقضة أو مختلفة عن معرفتة القديمة مَعرفة جديدة!، في إيمانه بأن هذه المعرفة الجديدة ليست جديدة، فقط لأنها ليست قديمة!،.

 

ـ يرفض تسميتها بالجديدة؛ لأنه يرفض أصلاً تسميتها بمعرفة!، وهكذا يتصنّم ويعبد ذاته، حتى لو أنكر هذه العبادة، فهو يظنّها خالصة لوجه الله، أو يظنها خالصة لوجه الحقيقة، لا يدري أنه بحصره لتعريف الإيمان والمنطق، يحلّ شاء أم لم يشأ، محل الله والعياذ بالله، ومحل الحقيقة والعياذ بالله أيضًا!.

 

ـ ولعل في هذا ما يُفسِّر، دخول أصحاب شهادات مرموقة وعليا، في التطرّف والعمل الإرهابي!.

 

ـ في الطرف الآخر، نجد نوعيّة من الناس، تريد القراءة في معزل عن الطمأنينة واليقين!، يبدؤون من المثلّث ذاته، حيث المتعة والمعرفة والحريّة، لا ينتبهون لقدرة التّيار على الجَرْف!، يتوهّمون أنهم سبّاحون مَهَرَة، يضنيهم التعب اللذيذ، فلا يعود ممكنًا التفريق بين الحريّة والتّسيّب!، وتصير قيمة المعرفة عندهم بحسب قدرتها على نفي كل ما هو قديم،.

 

ـ ومثلما ظن أولئك أن التصلّب صلابة، يظن هؤلاء أن كل ما له مرجعية رجعيّ!،..

 

ـ المتعة عند هؤلاء لا تعود داخليّة؛ لأن من لا يطمئن، من لا يمتلك يقينًا واحدًا، لا يمكنه استخراج متعة من داخله، مثل هؤلاء يتسوّلون المتعة من الخارج، غالبًا من رؤيتهم الدهشة في عيون الناس لما يقولون من كلمات، ولمهارتهم في التعبير، ولجسارتهم في الانفلات من كل قديم!،..

 

ـ مثل هؤلاء يروق لهم كثيرًا التقاء الشباب الأقل معرفة ومهارة؛ ففي سن الشباب يلمع بريق الدهشة ببراءة ويكشف عن إعجاب يرضي الغرور كثيرًا!، وهم فيما لو غابت دهشة الآخرين منهم يحترقون غيظًا وكمدًا، وقد يؤدي بهم هذا إلى الجنون، أو التطرّف المضاد الذي لا يقل قمعًا وإرهابًا!.