|


فهد عافت
‏حَسَنَات سَيِّئَة!
2017-10-21

 

 

 

 

ـ كلمات تُضعِف نفسها بنفسها، من حيث تريد التّقْويَة!، وكلمات تلغي نفسها بنفسها، بعكس الغاية منها والمُراد لها!.

 

ـ أُرسل لك معلنًا مودّتي وإعجابي، فأكتب: "أُقدِّرك بالرغم من هلاليّتك أو نصراويّتك"!،  تُفكّّر بالأمر، لا تجد علاقة تُوجِب الرَّبْط!، كل أثَر للجملة يتلاشى، باستثناء "بالرغم"!، هذه التي تُطْبِق على أنفاسك، ثقيلة مثل دهن مطعم وجبات سريعة كُرِّر استعماله لليوم الثالث!، وما إن تتساءل: وما دخل ميولك الكرويّة قي تقديري واحترامي ومحبتي لك، حتى تستشعر في قولي إهانةً ما، إهانةً تَمُدُّ يدها إليك طلبًا للمصافحة!، ومصافحة الإهانة مُصَافَعَة!.

 

ـ لا يأخذ الأمر وقتًا، فلا يصح تسمية ما يحدث بالمتتاليات!، الحكاية كلها لا تأخذ أكثر من جزء من الثانية، وفي هذا الجزء يحدث كل شيء: تفكِّر وتتساءل وتستشعر وتحس!، وقبل أن ينتهي هذا الجزء من الثانية، تنحسر عاطفة، ويتشكّل موقفك الوجداني من العبارة، بعيدًا عن غاية القائل وتمنيّات القول!.

 

ـ كلمة واحدة أفسدت كل شيء، يا لهذه الـ "بالرغم" كيف أربكت المشاعر، خدشتها، كَشَطتْ بقيّة الكلمات وقَرَأَتْ ما تحتها!، أيّ مودّةٍ هذه التي أردتُ إيصالها لك والتواصل معك من خلالها؟!، يا لِثُقل ما رَمَتْ: تتهمك بفقدان البصيرة قي عاطفة رياضية طبيعيّة، تغمزك بالنقصان، تعاتبك، وتَمَنّ عليك!، فيصعب عليك احتمالها، لكنك أمام لطافتها الخارجيّة تستسلم، أقصى ما يمكنك فعله الرد بكلمات شكر عابرة، لكنك من الداخل تحمد الله أنني صديق "افتراضي"، ليس بينك وبيني سوى أزرار جهاز، وإلّا فإني سوف "أُطيِّن" عيشتك في أمور كثيرة أخرى، إذ ما دمتُ أرى في ميولك العاطفية الرياضية عائقًا لا يتم تجاوزه بغير كرمي وسماحتي، فما بالك ببقية رؤاك ومواقفك من الحياة؟!.

 

ـ أتواصل معك عبر بريدك "الخاص"، فأكتب: "اسمح لي أنْ أسألك سؤالًا خاصًا، ولك الحق في أنْ تَرُدّ أو لا تَرُدّ"!، وأحسب أن عبارتي ما تحرّكت إلا من لطف إلى لطف، فهل هذه هي الحقيقة، هل هذا ما وصلك فعلًا، لا أظن، ولنتأمّل:

 

ـ أنت ما فتحت الخاص إلا لِتَلَقِّي ردود الفعل، وطمعًا في تواصل أكثر خصوبة، وبمجرد إتاحتك الخاص لي ولغيري، فأنت "تسمح"، دون طلب حاجة استئذان منّي، وأنْ أبدأ رسالتي بـ "اسمح لي أنْ..."، فإنني في الحقيقة أقلب الأدوار بحجّة اللطف، أصبح أنا الكريم، وعليك أن تتقبل لطافتي و"سماحتي" بما يليق بها من امتنان!، حسنًا وماذا بعد؟!،..

 

ـ " أسألك سؤالًا خاصًّا"!، يا للطافتي، وحسن تفهمي للأمور، يكفيني أن يكون اسم البريد "خاصًّا"، لأقتحم خصوصيّتك حقًّا!، ويا لفطنتي و"ذهانتي"، إذ سرعان ما أخفف من هذه الوقاحة، بإضافة: "ولك الحق في أن ترد أو لا ترد"!، يا سلام عليّ، عبقري من يومي!، لا أغفل إلا عن هفوات بسيطة، ولا أُغيِّب إلا اقتراحات عابرة، مثل أنْ تسأل نفسك: "وهل في حرّيّتي وحقوقي شك، حتى أنتظر من صاحب الرسالة هذا تبيانًا لها أو سماحًا فيها"؟!،.

 

ـ فجأة تكتشف أن أول العبارة كرم مجانيّ، وأوسطها اقتحام يطمح لوقاحة ما إن تُستضاف، وآخرها حبسٌ تزيّا بزيّ الحريّة في حفلة تنكريّة، ثم أعجبه الشكل؛ فقرر الخروج به إلى الشارع، والمرور به على باب بيتك، يطرقه ليدخل، طامعًا في عدم كشفك لتنكّرِيّته!.

 

ـ كلمات تتصنّع اللطف، فتصنع وقاحة ما!،..

 

وقد أعدت كتابة هذه المقالة مرّتين، لتكون مثلًا على مثل هذه اللطافات المتصنّعة، فتكون تجربة حيّة عمليّة مباشرة لمثل هذا الأمر!،.

 

ـ في المرّة الأولى كانت الصياغة بسيطة وأقل حذرًا: "يُرسل لك أحدهم مُعلنًا مودّته وإعجابه.."، "يتواصل معي أحدهم عبر بريدي الخاص.."!، وفي المرّة الثانية، جاءت الصياغة مثلما قرأتَها هنا: "أُرسل لك معلنًا مودّتي وإعجابي.."، "أتواصل معك عبر بريدك الخاص.."!،..

 

ـ ظاهريًّا، تبدو الصياغة النهائية، المنشورة، أكثر تقديرًا للجميع، ويبدو الكاتب أطيب تواضعًا، إذْ يتعمّد تبيان تحمّله لمساوئ الأمثلة، مُبعدًا إياك كقارئ عن أي شك في نفسك!، لكن في "الجُوَّانِيّ" من الأمر، أظنك أحسست فعلًا بصلافة الكاتب وبِقْدْرٍ من التعالي في كتابته!، وحتى لو لم تجد ممسكًا على هذه الصلافة المتعالية، يكفي إحساسك!، والآن لنُفتِّش في الأمر:

 

ـ كان يمكن للصياغة الأولى، أن تجمع بينك وبين الكاتب في جهة، وفي الجهة الأخرى يكون "أحدهم" متّهمًا!، وكان هذا أقرب إلى الطبيعة وأبسط إلى الروح، لكن الكاتب هنا اتّخذ حذره!، وخشيَ من نواياك، فقرر تحييدها تمامًا، وطرح نفسه كمثال، كعظة وعِبْرَة!، أبقاك أنتَ و"أحدهم" بعيدًا عن الأذى!، ومن هنا أتى الثقل الذي تحسّه، فالكاتب وعبر كتابته لم يثق فيك لحظة واحدة، تشكك في سماحتك، وأضمرت الصياغة الجديدة سوء فهمه لفهمك، فقرر الانحياز إلى صياغة تتبدّى فيها حاله وكأنه شهيد الحكاية!، وهو أمر لم تكن بحاجة إليه أبدًا، ولم تطلبه، ولا تريده، لكنه أتاك كرمًا من الكاتب، كرمًا مدفوع الأجر، فالصياغة تُطالبك في الخفيّ منها بالتعاطف، وبعدم نكران فضل ما، لا تعرف ما هو ولا لماذا تم بذله!!،..

 

ـ مثال أخير، وننتهي، يقول لك أحدهم: "أحبك في الله.. لا أريد منك منفعةً، ولا أطمع بمساعدة، ولا تهمني شهرتك ونجوميتك، و.. و.."، حتى يضيق الفضاء وصدرك معًا!، يا أخي: أنت هكذا لا تحبني، أنت تطلب الأجر من الله، وهذا حقك، وتتصدّق عليّ طمعًا في هذا الأجر وهذا جائز، لكنك بكلماتك هذه تصرخ في وجهي: إنها صدقة.. إنها حَسَنة، وهذه وقاحة!.