|


فهد علي
معنى أن ترحل
2017-11-28

 

 

 

 

أربعينيون وخمسينيون من العمر، ولدوا في بلاد عربية وقبل إتمامهم مرحلة الطفولة أتوا إلى أمريكا ليتموها هناك بل وليكملوا معها بقية العمر، أحياناً في لقاءاتي العابرة معهم أقيس مدى ثقل الكلمات العربية الخارجة من أفواههم، وأعرف جيداً كيف زادت الأيام كلماتهم ثقلاً وكما أنها قد سقطت الكثير من الكلمات والأعراف في طريق رحيلهم من الشرق إلى بلاد العم سام. 

 

وكنت أصغي لدكاترة سعوديين وأقرأ مقالاً لأحدهم يحدّثنا عن تجربته في أمريكا التي اضطر للانغماس بها سواء شاء أم رفض تلك الفكرة، سوف يأكل "الهامبرجر" لأن قدور "طبخ الكبسة" يصعب نقلها قبل عقدين، وسوف لا يرى غير التلفاز المحلي يثرثر بلغة مختلفة عن لغته الأصلية، بينما سيجد نفسه مضطراً لصداقة أحد الأجانب. 

 

أثر التقنية أحدث نوعاً جديداً في حياتنا المعيشية لاشك، لكن الأكثر تبياناً أن الجيل العربي المهاجر الذي بات مكوناً أمريكياً طبيعياً الآن، أنغمس بصورة سلسة وسريعة لأن "الحياة القديمة" حالت بينه وبين جلب بلدانهم القديمة معهم؛ ذلك ما يعني أن هنالك ظهورا سوف تدار مرغمةً عن الطعام والإرث والقضايا والهموم الحياتية ليتدحرجوا نحو أطعمة وقضايا وهموم حياتية أشد اختلافاً. 

 

أحد أصدقائي ـ مواطن خليجي ـ بقي في ردهات المعاهد والجامعات الأمريكية أربع سنوات، دون أن يعود إلى بلاده، لكنه ومع ذلك رفض الخروج من روح حياته المحلية فصار أحد مشاهير "الإعلام الجديد" ببلاده البعيدة؛ ويدعونا لولائم الكبسة ويستيقظ في الصباح ليتابع مباريات دوري بلاده المحلي يحدث ذلك في قلب أمريكا وما كان ليحدث كل ذلك قبل عشرين عاماً. 

 

فالسفر أخذ مفهوماً مختلفاً ومثل أن الرحيل تحديداً غدا رغبة داخلية لا فعل يتم وحسب بالذهاب للمطار، لأنك ربما ستتمكن من جلب بلدك بأكملها دون إعطاء مساحة للبلاد الجديدة لتعرض ذاتها أمامك .