|


فهد عافت
الوَسَط الفنّي!
2017-12-10

 

 

 

 

 

الفنّان يعمل ما يريد عمله، وليس بالضرورة أن يكون متمكّّنًا، ولا قادرًا فعلًا، على إتقان هذا العمل!، لكنه في مثل هذا الوضع، لا يكون فنّانًا، بالمعنى النهائي والفخم للكلمة!، يكون هاويًا!.

 

ـ وهو حين يتجاسر ويعرض عمله الفنّي "الذي يظنه فنيًّا" للناس، يتقدّم خطوةً، ويستأهل بالتأكيد أكثر من كلمة "هاوٍ"، خاصةً إذا ما أصرّ على الاستمرار في الاستمتاع بهوايته، وتجريب ذاته فيها، وعرض أعماله الناتجة عنها للناس!. في مثل هذا الوضع، وخاصةً إذا ما كان شابًّا صغيرًا، أظن أنّ الاكتفاء بوصفه "هاويًا" لا تخلو من إجحاف، أو قِلّة مُسَانَدَة!.

 

ـ فإنّ طالت المدّة، مدّة العمل بإصرار، فهو فنّان، لكن هل هو فنان كبير أم صغير، فخم أم متواضع، حقيقي أم مزيّف، مبدع أم مقلِّد، فهذا ما يمكن لمرحلة لاحقة كشفه!.

 

ـ أكثر من تسعين بالمئة ممّن تنطبق عليهم صفة فنّان، يتساقطون قبل الوصول إلى صفة "المبدع"، قبل الاقتراب حتى من عَتَبَة باب الإبداع!. استمراريّة وجودهم في المجال الفني وحْدَها تبقيهم في المضمار!.

 

ـ ويصير من الصعب، "وهو ليس بالأمر السّيّئ كثيرًا على أيّ حال!"، طردهم خارج الاسم الكبير، خاصةً أنّهم يكونون ـ عادةً ـ أكثر قدرة على إقامة علاقات اجتماعية مع أهل الصحافة والإعلام!، بل في كثير من الأحيان يجدون أماكن للعمل في المجال الإعلامي نفسه؛ ما يساعدهم على مؤازرة بعضهم بعضًا، في مجاملات، مهما قلنا عن خيبتها، فإنها تظل قادرة، مع مرور الوقت، على ترسيخ وصفهم بالفنانين!.

 

ـ وهو أمر لا يجب التوقّف عنده كثيرًا؛ لأنّه يستنزف طاقات "إبداعيّة" في غير ما خُلِقَت له!، وسيشغل طاقات ثقافيّة "نقديّة" مؤهَّلَة وذات اعتبار، عن أمور أهم، وقد يبدّد ويشتّت كثيرًا من جهودها، في غير صالح العمل الفني الإبداعي حقًّا!.

 

ـ أمّا لماذا قَوّست "وهو ليس بالأمر السّيّئ كثيرًا على أي حال!"، وأصررتُ على حَشْرِها قبل قليل؛ فلأنّني أرى أنّ وجود "وسط فنّي" ضرورة لأي فنّ، وأنّ وجودها لا يتحقق بوجود المبدعين فقط!؛ ذلك لأنّ أهل الإبداع الحقيقي قِلّة، في أي مجال فنّي أو أدبي، أو حتى علمي، لا يكاد يسمح عددهم في كل جيل بتشكيل "وَسَطْ"، هم على الأطراف دون تطرّف!، إلّا فيما يخص حماسهم الفنّي والإصرار على المواصلة!.

 

ـ فن التمثيل، في المسرح وفي السينما، يكشف الأمر، ويقدّم دليلًا: لا يمكن إقامة مسرح وسينما بعباقرة أداء ومواهب فذّة فقط!، لا بد من كومبارس، ومن ممثلين أقل موهبة، للقيام بأدوار ثانويّة!، وهم بالتأكيد أكثر عددًا، وعن طريقهم يتكوّن ما يُسمّى بالوَسَط الفنّي!.

 

ـ الجمهور، الشهرة، المال، المجد، أمور قد يفكّر فيها المبدع الحقيقي، وبالتأكيد فإنه يحلم بها، لكنه في حقيقته لا يعمل لأجلها، الأصح: يريدها أن تأتيه دون أن يذهب إليها، يريد ملاقاتها في طريقه، لا أنْ تكون هي الطريق!.

 

ـ يعمل المبدع عمله، ويتمنّى أن يعجب هذا العمل عددًا كبيرًا من الناس، كل الناس، سيكون ذلك مفرحًا وعظيم المسرّات فيما لو حدث، لكنه أبدًا ليس موظّفًا، ولا أجيرًا عند أحد!.

 

ـ ينتظر الموظّف أجْرًا من رَبِّ العمل، بينما ينتظر المبدع مكافأةً من ربّ الكون!.