|


محمد رمضان.. عاشق أوقف الأخضر قلبه

الرياض ـ إبراهيم الأنصاري 2024.04.29 | 10:35 pm

في مرويات العشاق وسيرهم سطّر التاريخ الكثير من الأحداث والأمثلة التي كان أشهرها «ومن الحب ما قتل»، وهو المثل القديم الذي يتداوله العشاق في حكاياتهم عن الحب وملذاته، والعشق وصنوفه، ولم تصلهم حكاية العاشق محمد رمضان الذي توقف قلبه وهو يرى معشوقه الأخضر ينهار وتستقبل شباكه الهدف تلو الآخر حتى سقط مغشيًا عليه.
«ياماآآآجد، يا حبيبي يا ماجد، ياماجد ياحبوب»، كانت تلك العبارات الثلاث من أشهر الصرخات التي أطلقها المعلق الرياضي الراحل محمد رمضان خلال تعليقه على إحدى مباريات المنتخب السعودي، التي كادت تنهي حياته بسبب تعرضه إلى جلطة في نهايتها نقل على إثرها إلى المستشفى.
لا ينسى جيل الرياضيين السعوديين في الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي صيحات رمضان وجيل الرواد من المعلقين السعوديين أمثال زاهد قدسي وعلي داود وغيرهما والذين كانوا أول من وضع حجر الأساس للتعليق الرياضي السعودي لاحقًا.
في حارة الباب أحد أشهر أحياء مكة المكرمة العتيقة والتي لا تبعد سوى أمتار قليلة عن المسجد الحرام أبصر محمد عبد الرحمن رمضان النور محاطًا خلال أعوام طفولته بجموع الحجيج والمعتمرين الذين يأتون من كل فج عميق، اختلط بهم ونهل من ثقافتهم المتعددة القادمة من شتى مناحي الأرض.
في أعوام شبابه شغف قلب الشاب المكي بحب كرة القدم ممارسة ومشاهدة، ما جعله يلتحق بصفوف نادي النصر في مكة الذي كان أحد أندية الدرجة الثانية حينها على الرغم من عشقه للوحدة فريق مكة الكبير الذي كان يخطف المواهب البارزة في صفوف النادي الصغير.
يتحدث رمضان عن تلك الحقبة في حوار صحافي سابق: «مارست لعب كرة القدم في نادي النصر بمكة المكرمة وهو أحد أندية الدرجة الثانية سابقًا، وهذا النادي كان يفرّخ النجوم للوحدة، وأتذكر ذات يوم أنني رفضت الذهاب لنادي الوحدة على الرغم من عشقي لهذا النادي وحبي الكبير له، حيث قلت لعم سعيد أزهر مؤسس نادي النصر سأظل ألعب في النصر وإن لم يكن موجودًا في الملعب غيري وباب المرمى وعدم استمراري في الملاعب كان بسبب الظروف الدراسية، حيث إنني فضلت الدراسة عن الاستمرار كلاعب».
في منتصف السبعينيات الهجرية وبينما كان الأديب السعودي الكبير الراحل طاهر زمخشري، الذي كان أحد المساهمين في تأسيس الإذاعة السعودية يظهر عبر برنامجه «بابا طاهر» أحد أكثر البرامج شهرةً آنذاك، لفت نظره الشاب الصغير الذي حينها يمارس هوايته الإذاعية خلال الفترة الصيفية ويقدم برنامجًا للأطفال لم تمضِ فترة حتى عرض عليه زمخشري التعليق على مباريات كرة القدم.
سحر محمد لطيف المعلق الرياضي المصري الشهير وصاحب لقب «شيخ المعلقين الرياضيين» محبي اللعبة المستديرة وكانت العبارات التي يطلقها خلال تعليقه على المباريات في مصر وكأس العالم وغيرها من المناسبات الرياضية الكبرى راسخة في أذهان كل محبي كرة القدم.
الفتى المكاوي رمضان كان أحد المولعين بتقليد العملاق المصري الراحل ويحكي قصة دخوله إلى مجال التعليق بقوله: كنت في إحدى المرات أقلد محمد لطيف داخل استوديو الإذاعة، فسمعني طاهر زمخشري، والذي سألني هل تحب كرة القدم؟ فأجبت بنعم.
وطلب زمخشري من رمضان العمل كمعلق على مباريات كرة القدم ليوافق دون تردد، وبعد 4 أيام من التدريب على التعليق، كانت هناك مباراة بين الوحدة والاتحاد، ليُعلق عليها من ملعب المباراة، ولكن لم يُذاع سوى 4 دقائق فقط منها.
انطلقت مسيرة رمضان بعدها خلف ميكرفون التعليق وبات صوته الذي كان مليئًا بالعاطفة حد البكاء، وحنجرته الذهبية التي رافقت أجيالًا من الرياضيين أعوامًا طويلة، مشكلًا مدرسة رياضية لم تكن تهتم في تحضير المباريات ولا قرأت تاريخ المنتخبات أو التفنن في الاطلاع على خطط المدربين وطرقهم وأساليبهم وتكتيكاتهم، لكنه كان يعلق من داخله ويصرخ من أعماق قلبه مع كل هدف أخضر.
رمضان الذي يقول إنه اعتزل التعليق ولم تتجاوز مكافآت المعلق 300 ريال كان يرافق معشوقه الأخضر أينما حل وارتحل غير عابئ بالتكاليف المادية التي أرهقته لاحقًا وجعلته في أصعب حال.
نصّب رمضان نفسه عميدًا للمعلقين السعوديين بعد مسيرة امتدت أكثر من 30 عامًا خلف الميكرفون قبل أن تجبره الأمراض على الاعتزال ومتابعة معشوقه الأخضر خلف الشاشات حتى توقف قلبه عن عمر ناهز الـ90 عامًا.