|


فهد عافت
قفلة حرّاقة!
2017-03-15

 

ـ في الغناء العربي قفلةٌ حرّاقة، الغناء العربي: كلمتين وآآه!،..

 

إرث من مضر بن نزار، الذي تُورِدُ الكتب أنه أوّل من غنّى من العرب، شهدت له ناقته بجمال الصوت وحسن الأداء، سقط من ظهر ناقته، كُسِرت يده، تأوّه بلحن: وا..يَد.. اه!، فأرجعت الآه الناقة إليه تشمّه وتواسيه!،..

 

ـ من "وايَداه" إلى "ددي واه" والأغنية العربيّة تتأوّه!..

 

ـ أطيب قفلات الغناء العربي: أحرف العلّة والهاء!، فإن سُبِقَت الهاء بأحد أحرف العِلّة، زاد الطيب طيباً: " حب إيه اللي انت جاي تقول علـ..ًـيه"!، "يا أبو فهد مني غدى الشوق ويلاه"، "هوا العالي على كيفك بالشعر هاه "!..

 

ـ ما لم يكن الحرف الأخير من القفلة/ القافية ساكناً، فهو يتمرّغ في الياء والواو والألِف!، يتمرّغ في أحرف العِلّة، يؤكِّد أبوّتها له، أظن أنه يؤكِّد أُمومتها له، فالغناء حضن، أو هفهفة غطاء!، الغناء أنثوي في جِذْرِه!، وما لم أكن مخطئاً، لعلّه الرّازي بدأ أول حياته مغنياًّ، ولمّا سُئلَ لماذا توقفت عن الغناء، أجاب: علِمتُ أن غناءً يخرج من بين شاربٍ ولِحيةٍ لا يُطرِب!،..

لم يكن محقاً على أيّة حال، غير أن في ظلال الحكاية ما يشي بأُنوثة الطَّرَب!..

 

ـ الحروف الساكنة في القفلة، تكون أطيب ما تكون حين يكون ما قبلها حرفاً ليس من أحرف العِلّة!، "حبيب " ليست قفلة مستطابة، أو أنها تصير أنسب وأطيب، فيما لو أضيف لها حرف الياء مثلاً فتصير "حبيبي"، أو الهاء فتصير "حبيبه": "من هو حبيبك غايتي بس اهنّـ..ـيه... على حسن حظه عشانك حبيبـ..ـه"!، الشطر الأخير بصيغته هذه التي خرج بها، هو الأفضل للغناء، وإن انحرف كشعرٍ عن المعنى الأدق والمقصود أساساً من الشاعر، لو لم تكن أغنية لكان الأحق بالقول: "على حسن حظه عشانه حبيبك"!،..

 

ـ الغناء في كلماته: دَقّةٌ وليس دِقَّة!، فإن لم يكن بالإمكان الجمع بينهما، فالدَّقَّة أصلح من الدِّقَّة!..

 

ـ الساكن، ما لم يُسبق بألِفٍ أو ياء أو واوٍ، يُنتج إيقاعاً حاسماً، شديد الوضوح وصادم، يصلح لوقفات الرقص السريعة، مثلما يصلح لحماسات الحرب، أو لقلب عاشقٍ جديد على العشق، تنقصه الخبرة والدِّربة والمِرَان، ربمّا كان هذا أحد أسباب انقلاب بيت عمر بن أبي ربيعة الشهير من غزلٍ وتودّد بل وتدليل خاضعٍ، إلى فاتحة أحد أشهر أيام هارون الرشيد بطشاً: "إنما العاجز من لا يستبِد"!..

 

ـ كُتِبَتْ هذه الخواطر على عجالةٍ، ساعة صفاء، خشيتُ على ساعة الصفاء هذه من الهرب والانقضاء، فلم أرجع إلى مرجعٍ ولم أتريّث إلا قليلاً، فقد وصلت إلى قناعةٍ بأن التدقيق والتفحّص والتمحيص والمُراجعات الكثيرة، من شأنها تغييب طفولة وشغبٍ في الكتابة، وقناعةٍ تلحقها: الوصول إلى التّمام محالٌ، والاقتراب منه مُحبَّبٌ شرطَ أن لا يُنقص من الطفولة والشغب والعاطفة في الكتابة شيئاً، باختصار: كتبت عاطفتي وإحساسي، في مجالٍ هو على أية حالٍ لم يُكتب فيه الكثير.