|


صالح الخليف
لماذا يحبون طلال مداح؟
2017-07-29

بين الحب والإعجاب خيط رفيع أوهن من خيط العنكبوت.. خيط لا يرى بالعين المجردة.. هو ذاك الخيط الذي تغني لأجله نوال الزغبي وتخشى عليه من القطع فتضيع معه الأحلام.. بينهما خط أحمر مثل ذاك الخط الأحمر الذي وضعه الرئيسي الأمريكي الكلمنجي الإفريقي باراك أوباما لسفاح دمشق بشار الأسد، إن هو تجرأ وقتل الناس بالأسلحة الكيميائية..!! 

ثم صار خطه الأحمر بلا لون ولا طعم ولا رائحة.. أحيانًا فقط تنبعث منه روائح الموت وجثث الأطفال والشيوخ والنساء الملقاة على خارطة المقبرة السورية الكبيرة.. اتركوا الموت.. اتركوه في حال سبيله.. اتركوه فكل من عليها فان.. وخلونا نرجع إلى خطوط وخيوط الحب والإعجاب.. أن تعجب بلاعب أو فنان أو شاعر أو ممثل أو أي شهير آخر فهذا من حقك.. ومن حقك أيضًا أن تحبه حبًّا جمًّا.. أنت حر، ونقل فؤاد حيث شئت من الهوى.. والطبيعي أن تبدأ العلاقة بينك وبين هذا الذي أبدع في مجاله بالإعجاب، وإذا تطورت العلاقة إلى حب من طرف واحد فهذا ورب العباد أقل وأبسط حقوقك.. وصدقني لست وحدك.. بل يقف بجانبك في نفس المدرج ملايين حول العالم.. يعجبهم هذا اللاعب أو هذا المطرب ثم يحبونه ويناصرونه ويدافعون عنه بقوة واستماتة ودون حجة أو برهان أو دليل، كما دافع المحامي حديب بن ديرة عن حسين بن عاقول في درب الزلق في القضية المعقدة، عندما اعتدى حسينوه على أبوصالح..!!

الإعجاب أولًا والحب ثانيًا.. هذه خارطة طريقة واضحة المعالم بين جوقة المشاهير وأسراب المعجبين الهائمين.. والصحافة المصرية نقلت أخبارًا تؤكد انتحار فتيات في عمر الزهور حزنًا وألمًا على رحيل عبدالحليم حافظ في أواخر مارس عام 1977.. كن معجبات بشهرة وأداء وغناء وانفعالات العندليب الأسمر؛ فلم يحتملن الحياة بعد فراقه، رغم أنهن ربما لم يكنّ شاهدنه أو التقينه ولا مرة.. إنه الحب المولود بعد الإعجاب.. أعتقد أن طلال مداح الاستثناء الوحيد.. كسر القاعدة وبجدارة.. أظن عشاقه أحبوه أولًا.. وبعد سنوات أعجبوا بصوته ولتغته وصرخته التي لم تذبل حتى الآن.. أغلب السعوديين يستمعون ويطربون وتنسجم أمزجتهم مع محمد عبده.. هو فنان العرب، فمن باب أولى أن يكون فنان السعوديين المفضل.. يلامس السبعين من عمره ولا تزال حنجرته تتمتع بذات العذوبة السائغة، متحدية أرقام الميلاد ومنتصرة على عوامل الزمن والتعرية.. بديهي جدًّا أن تطرب مسامعك لأغاني أبو نورة، وطبيعي أن تعجب به، ولا ضير أن تحبه كما يحب الكثيرون فيروز وأم كلثوم وفهد بلان.. في حالة طلال الوضع مختلف تمامًا.. الطلاليون عندما يبدؤون بسرد محاسن ومآثر طلالهم، فأغانيه وألحانه وأداؤه يأتون في المرتبة الثانية.. يراهنون دائمًا على بساطته وإنسانيته وقلبه الطيب.. تداول عشاق طلال مقطعًا من برنامج تلفزيوني قديم، للقاء جمع ماجد عبدالله ومحمد عبده.. وعندما سئل محمد عبده عن أفضل لاعب قال بلا تردد، إنه يعتبر ماجد الأول، وعندما وجه المذيع جاسم العثمان سؤالاً لماجد عن أفضل فنان قال: طلال مداح..!! ثم تمضي الأيام ويتحدث محمد عبده عن ماجد في برنامج آخر بطريقة استنقاصية بقوله إن لعبه قديم!! الذين تناقلوا المقطع من أنصار طلال لم يكن ماجد وإجابته تعنيهم، وإنما فقط هم يريدون القول إن محمد عبده لديه حسابات شخصية، وهذه ليست من بين سلوكيات طلال المتفردة بالهدوء والتصالح.. حينما يصف الطلاليون محمد عبده بالفنان الذكي؛ فهم في حقيقة الأمر لا يمتدحونه بقدر ما يضعون حوله علامات استفهام كبيرة، مستدلين بأغانٍ كثيرة كان يفترض أن تخرج بصوت طلال، وعلى رأسها المعازيم لولا أن ذكاء محمد عبده تدخل في اللحظات الأخيرة وحول مسارها إلى حاضنته ورصيده..

لا أحد يلومهم بالتفتيش والتنقيب عن أخطاء وهفوات محمد عبده.. كان هو الند والضد.. والضد يظهر حسنه الضد، وبضدها تتميز الأشياء.. الصوت والألحان والكلمات هذه، هي متلازمة ثلاثية الأغنية ترضخ طائعة لذائقة البشر.. لا يمكنك أن تفرض علي وعلى غيري الأغنية التي تظنها أروع ما سمعت.. هذه شغلة مزاج.. وكل ينام على المزاج اللي يريحه...!

أما الأخلاقيات والمبادئ والمحاسن والفضائل فهذه مدعاة للمفخرة والاعتزاز أولًا، ثم إنها لا تكون محل جدال وصراع بين الناس.. عندما تمتدح صاحب المآثر البينة فكل من حولك سيصادق على كلامك ويؤيدك ويبصم لك بالعشرة.. هذا هو الرهان الرابح لكل أولئك الذين قرروا أن يجعلوا من طلال محبوبًا لقلوبهم، ثم أعجبوا به وبكل أغانيه وفنونه وألحانه.. هذا كله لا يعني أن طلال احتوى كل تلك الشعبية والجماهيرية بطبائعه المحببة للأنفس فقط.. أبدًا.. لا يمكن أن يكون مجرد إنسان خلوق فقط، وينتزع كل تلك الأرقام المهولة من المستمعين.. حتى رؤيتي هذه قد يكون جانبها الصواب..

لو كان طلال فنانًا نقلته أخلاقه للمجد والقمة لما أسموه صوت الأرض.. لا أريد أن أتغزل به أو أمتدحه أكثر حتى لا أناقض شيئًا قلته وطرحته هنا وراهنت عليه.. يكفي طلال مجدًا أنه يجعلك تتناقض أسرع مما تتخيل..

رحمك الله يا أبا عبدالله!!