|


الطاجيك.. شعب الهضبة الكبرى.. وسقف العالم

الرياض - إبراهيم الأنصاري 2024.03.25 | 02:18 pm

حين كتب الشاعر التونسي الشهير أبو القاسم الشابي أبياته «ومن يتهيب صعود الجبال *** يعش أبَــدَ الدهــر بيــن الحــفرْ»، كأنه يصف حال الشعب الطاجيكي المضياف الذي يعيش أغلبه على هضبة «بامير» الأعلى على مستوى العالم والتي اشتهرت باسم «سقف العالم».
تمثلت حياة الطاجيك ومغامراتهم طوال التاريخ بأبيات الشابي الشهيرة:
«ولــم أتجــنَّب وعــورَ الشِّـعاب *** ولا كُبَّـــةَ اللّهَـــب المســـتعرْ
إذا مـــا طمحــتُ إلــى غايــةٍ *** ركــبتُ المُنــى ونسِـيت الحـذرْ
فعجَّت في قلوبهم دماء الشباب *** وضجَّت في صدورهم رياح أُخر».
طاجيكستان البلد الحبيس في مصطلحات أهل الجغرافيا بسبب أنها دولة غير ساحلية، هي الأصغر على مستوى آسيا الوسطى، نظامها رئاسي وعاصمتها دوشنبة، لغتها الرسمية الطاجيكية والروسية، وهي دولة جبلية لا ماء حولها حيث تحيط بها أفغانستان جنوبًا، وأوزبكستان غربًا، وقرغيزستان شمالًا، والصين شرقًا.
يبلغ عدد سكانها نحو 9 ملايين نسمة، ويُعد الإسلام الديانة الأكثر انتشارًا فيها، بنسبة 98 في المئة من السكان، كما يوجد هناك من يدينون بالمسيحية الأرثوذكسية، إضافة إلى مجموعات مسيحية أخرى وأقلية يهودية.
عاش البلد الآسيوي الصغير أعوامًا طويلة من النزاعات، واستنزفت الحروب شبابه ورجاله، إضافة إلى خسارة البلاد العديد من الأراضي والممتلكات أثناء «الحرب الأهلية» التي نشبت بين عامي 1992 و1997 وكانت نتيجة صراع سياسي وقومي بين أطراف عدة.
فتكت الحرب الطاجيكية بنحو 50 ألف شخص، وقُدِّرت الأضرار الاقتصادية بمبلغ 7 مليارات دولار أمريكي.
بعد 5 أعوام وضعت الحرب أوزارها لكنها خلفت جراحًا لم تندمل حتى اليوم على الرغم من مرور أكثر من 25 عامًا على آخر طلقة نار، وعلى الاتفاق الشهير الذي تم توقيعه في موسكو، بعد أن حولت البلد المليء بالثروات إلى بلد فقير يعاني من اقتصاد هزيل، ويعتمد على زراعة المحاصيل الزراعية منها القطن والخضروات والفواكه، كما تسببت في هجرة الخبراء والأكفاء من أبناء البلد إلى البلدان الخارجية، وبلغ تعداد الطاجيك الذين يعملون في روسيا مليون مهاجر، وبات اقتصاد البلاد يعتمد بنسبة كبيرة على أموالهم المحولة.
ساهم حب الشعب الطاجيكي للرياضات القتالية في ظهور العديد من الأبطال الأولمبيين أمثال ديلشود نازاروف، بطل رمي المطرقة الأولمبي، الذي تُوج بأول ذهبية أولمبية في تاريخ طاجيكستان خلال أولمبياد ريو دي جانيرو عام 2016، كما نال فضية بطولة العالم عام 2015، إضافة إلى يوسف أبدوسالوموف، المصارع، الذي حقَّق الميدالية الفضية في دورة الألعاب الأولمبية عام 2008، ورسول بوكيف، لاعب الجودو، الذي حقَّق الميدالية البرونزية في أولمبياد بكين أيضًا.
لم تتغير نظرة الطاجيك إلى رياضة كرة القدم على أنها رياضة الأجانب المقيمين في البلاد، حتى بعد تأسيس الاتحاد الوطني لكرة القدم عام 1936، مع ذلك ظلت خارج دائرة اهتمام الشعب الذي طغى عليه حب الرياضات الشعبية مثل رياضة بدكش، التي تلعب على ظهور الخيل، مثل لعبة البولو.
لم تشهد كرة القدم في البلد الآسيوي الصغير أي منجز معتبر خلال الأعوام الماضية سوى تأهل فريق استقلال دوشنبة إلى نهائي كأس الاتحاد الآسيوي 2016-2017 لكنه خسر النهائي على أرضه بهدف وحيد من أمام القوة الجوية العراقي.
كان تولي الكرواتي بيتر سيجرت والملقب بالمهندس المعماري في عام 2022 مهام قيادة المنتخب الطاجيكي أولى بوادر تطور الكرة في بلاد الجبال، بعد أن نجح في ترك بصمته بشكل واضح، سواءً بالصارمة الفنية، أو الروح المعنوية من خلال تفاعله الدائم مع الجماهير وبث الحماس لديهم في جميع المباريات، ولم يكتف المدرب بقيادة الفريق للتطور الفني، ولكنه توج معه بلقب للمرة الأولى في تاريخه، بعد التفوق في الدورة التي جمعت منتخبات ماليزيا، وتايلاند، وترينيداد وتوباجو.
قاد سيجرت أبناء الطاجيك إلى حجز مقعدهم في كأس آسيا لأول مرة في تاريخهم، بعدما أخفقوا في التأهل إلى العرس الآسيوي خلال 6 محاولات سابقة خاضوا فيها التصفيات، وقادهم خلال النسخة التي استضافتها قطر في 2023 إلى تفجير كبرى المفاجآت وتحقيق ظهور أول تاريخي في المحفل القاري.
وعلى الرغم من وداع المنتخب الطاجيكي كأس آسيا قطر 2023 بعد الخسارة من الأردن بهدف دون رد في ربع النهائي، إلا أنه كسب احترام الجميع بعد المستوى والأداء الذي قدمه خلال البطولة منذ انطلاقتها في دور المجموعات مرورًا بدور الـ 16، وحتى أيضًا أمام الأردن في ربع النهائي على الرغم من الخسارة.
بعد الإنجاز التاريخي في قطر قرَّر الكرواتي بيتر سيجرت الرحيل وترك مهمة إكمال مسيرة النجاحات إلى الجورجي جيلا شيكلادزي، مساعده وتلميذه ورفيق دربه، والذي ستكون مهمته الأولى على رأس الجهاز الفني هي محاولة السير على خطى معلمه وتحقيق إنجاز تاريخي جديد ببلوغ الأدوار النهائية من التصفيات المونديالية، إضافة إلى التأهل مجددًا إلى كأس آسيا المقبلة، لكن عليه قبل إنجاز المهمة الإطاحة بالصقر السعودي ومدربه الإيطالي.