لدي استعداد تام لتصديق أن مارادونا لم يخدع الحكم التونسي علي بن ناصر، وهدفه أمام الإنجليز في مونديال 1986 كان شرعياً وصحيحاً 100%.. ولدي استعداد آخر أصدق فيه بأن مؤسسي شركة نقل الركاب الأمريكية "أوبر" سرقوا فكرتهم الجهنمية التي غزت شوارع العالم من الممثل المصري الراحل أحمد رمزي حينما عرضها خلال إحدى مشاهد فيلم "لا تطفئ الشمس" للكاتب إحسان عبد القدوس.. ولدي استعداد ثالث لأصدق أن خلطة دجاج كنتاكي المقرمشة السرية التي طهاها الأمريكي كولونيل ساندرز عام 1930 كانت فكرة أحد الطباخين النشطين عبر الأنستجرام.. ليس عندي مانع لتصديق الأكاذيب والخرافات وسابع المستحيلات.. لكن اعذروني وسامحوني ولا تحاولوا إقناعي بأن الطماطم فاكهة وليست من قبيلة الخضراوات!!.

لو زرت قريبك أو صديقك أو أي شخص يستضيفك وقدم لك الطماطم مع البرتقال والتفاح والموز والأناناس في طبق واحد لقلت في نفسك إن هذا رجلاً فيه مس من الجن، أو على الأقل قلت إنه من سلالة عائلة تفتقد للإتيكيت والتدبير والذوق الرفيع.. ولا أظن ناظريك وقعن ولا مرة واحدة على طبق في مطعم أو كافتيريا جمعت الفواكه التي نعرفها مع الطماطم.. هذه الثمرة الحمراء الفاقع لونها ليست من الخضار فحسب بل إنها سيدتهم وعمدتهم ورأس حربتهم، فلا صوت يعلو على صوتها ولا كلمة تفوق كلمتها.. يسميها الإيطاليون "بومو دورو" وتعني التفاح الذهبي، ويبدو من هذا الاسم المزدحم بالتضخيم والتفخيم والاحترام والتقدير يعود إلى أن المطبخ الإيطالي يعتمد في أغلب أطباقه على الكاتشب والصلصة التي هي من مخرجات ومواليد السيدة "طماطم":..

يشاع أن المكسيكيين أول من اكتشفها وزرعها قبل أن تنتشر في أنحاء العالم عقب الاستعمار الإسباني للقارة الأمريكية.. ويشاع أن المكسيكيين أيضاً استخدموها لأول مرة في الطبخ قبل الميلاد بخمسمائة عام.. بينما لم تنقل للمنطقة العربية إلا عام 1800 بواسطة مدينة حلب السورية، أول أرض تزرع فيها الطماطم من حولنا.. وتعتبر الصين والهند وأمريكا وتركيا ومصر أكثر دول العالم إنتاجاً للطماطم.

وليس يؤذيني شيء مثل منظر الإسبان يتراشقون ويدوسون الطماطم سنوياً وسط قرية بونيول.. يفعلون هذه العادة القبيحة منذ العام 1944 وحتى يومنا هذا في الأربعاء الأخير من شهر أغسطس.. منظر حين تراه تصاب بالاشمئزاز وتقول: "ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا".

ويطلق عليها أهل الشام بندورة، ويسميها المغاربة "مطيشة".. أما المصريين فتعرف بينهم بـ"الأوطة" ويلقبونها بـ"المجنونة" لأن أسعارها غير مستقرة، ففي يوم تتوافر بكثرة في الأسواق وينخفض سعرها، وفي اليوم الآخر تنقطع وتصبح نادرة وغالية الثمن.. هذا سبب جنونها.. وفي فيلم المتسول حينما اضطر عادل إمام لبيع الخضار أجيراً عند صاحب عربة على قارعة الطريق كان ينادي الزبائن لشراء بضاعته وكان يقول في إشارة للطماطم.. "يا مجنونة يا بنت المجنونة"، فيرد عليه صاحب العربة: "هي مجنونة بس مش بنت المجنونة".. فعلاً فالطماطم لا تنجب طماطم.. هي مجنونة بس..!!..

ويقال إن الطماطم الثمرة الوحيدة التي لا تستقي المياه القذرة أو الملوثة، فجذورها لديها خاصية تنقية الماء قبل وصوله إليها.. وسبحان الله أحسن الخالقين.